العالمبیانحقوق الإنسانفلسطين

الجلجلة الفلسطينية ودرب الآلام الطويل

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية

لا، ليس قدرا” أن تعيش فلسطين وشعبها هذه المآسي على مدار 75 عاما” وأكثر. فهناك من قرر لهذا الشعب ولهذه الأرض الطاهرة مهد الأنبياء والحضارات، أن تكون أرضها مرتوية بدم أبنائها لحساب كيان مغتصب، الذي وُجد بناء” على وعدِ مشؤوم لم يجلب إلا الويلات لفلسطين وأهلها. انه وعد بلفور الذي يصادف يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر.

فقبل أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها ويتقاسم المنتصرون فيها تركة الإمبراطورية العثمانية، سارع وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1917 إلى كتابة رسالة إلى المصرفي البريطاني- الصهيوني وأحد زعماء اليهود في بريطانيا البارون روتشيلد، أدت إلى قيام ما يُسمى بـ ” دولة إسرائيل”، كوطن بديل لليهود، وما تبع ذاك الوعد المشؤوم من مآسي وويلات على الشعب الفلسطيني الذي ما زال لتاريخ اليوم يتعرض لأبشع وأفظع أنواع القهر والظلم وصلت إلى حد الإبادة الجماعية.

وتُعتبر هذه الرسالة وعد قطعي من قِبل الحكومة البريطانية بإقامة دولة لليهود، والخطوة الأخطر التي اتخذها الغرب وتحديدا” الأوروبي لإقامة كيان بديل لليهود على أرض فلسطين.

 وتنص الرسالة المؤرخة في 2/11/1917على التالي:  

عزيز اللورد روتشيلد

يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى. وسأكون ممتنا” ‘ذا ما احطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا التصريح”!

بالطبع هذا القرار لم يأت وليد ساعته، فقد مهد له مؤتمر كامبل بانرمان 1907، هذا المؤتمر الذي كان أول من وضع الأسس لإنشاء كيان غريب في قلب الوطن العربي، وكان الخيار فلسطين. ضم المؤتمر ممثلين عن الدول الأوروبية حينذاك وهي: بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، اسبانيا، البرتغال، بلجيكا وهولندا، إضافة إلى حضور العديد من علماء الأديان والتاريخ، والاجتماع، والاقتصاد، والجغرافيا. وبخلاصة هذه الاجتماعات المكثفة، توصلوا إلا أن مصدر الخطر المستقبلي على دولهم يكمن في المنطقة العربية الواقعة شرق وجنوب البحر المتوسط، حيث إن هذه المنطقة لها مميزات لا تتوفر في مناطق أخرى من العالم، فهي مهد الأديان والحضارات لشعب يتميز بـ ـ: وحدة اللغة والتاريخ والثقافة والدين والأهم وحدة المصير، إضافة إلى غِنى هذه المنطقة بالثروات الطبيعية.  لذا رأى المؤتمرون ضرورة العمل على إبقاء وضع هذه المنطقة متخلفا” ومفككا” وضعيفا”. ولتحقيق ذلك، دعا المؤتمر لإقامة كيان على أرض فلسطين يكون بمثابة حاجز قوي يفصل الجزء الأفريقي عن الجزء الأسيوي، وبذلك يحول دون قيام أو تحقيق وحدة بين شعوب هذه المنطقة. فكان القرار بإنشاء الكيان الصهيوني “كدولة عازلة”، تفصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا، وهو التجسيد العملي لقرارات المؤتمر المذكور، والذي سبق وعد بلفور بعشر سنوات.

لذا، فإن وعد بلفور المشؤوم أتاح قيام كيان دموي على أرض فلسطين، كيان قائم على القتل والتهجير والاعتقال وارتكاب المجازر التي وصلت إلى الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع العالم! 

إن تعداد المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني وعصاباته المتطرفة لا تُعد ولا تحصى، فالأعمال الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني بدأت منذ ما قبل النكبة عام 1948. فالمواجهات بين الشعب الفلسطينيين أصحاب الحق في الأرض وعصابات الكيان الصهيوني ابتدأت منذ عام 1920 عندما كانت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني، فكانت أول انتفاضة ” انتفاضة موسم النبي موسى” وكرت سبحة المواجهات والتعديات والقتل والتهجير لتاريخ كتابة هذه السطور، وما تشهده غزة اليوم لهو خير دليل على همجية واجرام العدو التي تجاوز كل المعايير والقوانين…..!!

من الصعوبة حصر عدد الفلسطينيين الذين قضوا بسبب الجرائم والمجازر الإسرائيلية بحق المدنيين سواء ما ارتكبته قوات الاحتلال من أعمال حربية همجية ضد المدنيين أو ما قامت مثيله به العصابات الصهيونية المسلحة مثل عصابات الإنسل وليحي والهاجاناه والأرغون والبالماخ وغيرها من عصابات الكيان الصهيوني الذين أصبحوا لاحقا” من عداد “جيش الدفاع الإسرائيلي”.

ولكن وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن عدد الضحايا الذين قتلهم الاحتلال منذ عام النكبة وصل إلى أكثر من 100.000 شخص، وأكثر من 10.000 ضحية منذ انتفاضة الأقصى عام 2000. أما اليوم فعدد الضحايا بعد المجازر وعمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق غزة وأهلها بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 تجاوز الرقم المذكور أعلاه، حيث سجلت أرقاما خيالية من الضحايا معظمهم من الأطفال عدا عن الدمار الشامل للمنازل والبنى التحتية، وقطع كل سبل الحياة عن القطاع، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا مواد غذائية، وقطع الانترنت ووسائل الاتصال،  ناهيك عن توقف المستشفيات والمراكز الطبية عن القيام بواجباتها بمعالجة الجرحى والمرضى، والتوقف عن إجراء العمليات جراء فقدان الطاقة التي تُشغل الأجهزة الطبية. 

إن ذكر كل المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني وعصاباته بحق الشعب الفلسطيني تحتاج لصفحات وصفحات لكثرتها، لكن سنورد بعض العينات لأفظع المجازر والأكثر همجية، أحدثها وأخطرها المجازر التي بدأت في قطاع غزّة بعد 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023 التي وصل عدد ضحاياها لتاريخه تجاوز الـ 9000 شهيد والعدد بازدياد مطرد. 

سلسلة المجازر منذ عام 1948 لتاريخ تشرين اول/أكتوبر 2023 , هي على التالي:

1.مجزرة دير ياسين، نيسان/أبريل 1948.

2. مجزرة قرية الطنطورة-حيف آيار/مايو 1948.

3. مجزرة الرملة، حزيران/يونيو 1948.

4. مجزرة اللد، حزيران/يونيو 1948.

5. مجزرة قرية “عين الزيتون”، آيار/مايو 1948.

6. مجزرة ” الدوايمة”، تشرين الول/أكتوبر 1948.

7. مجزرة حيفا، 22 نيسان/ابريل 1948.

8. مجزرة تفجير فندق سميراميس في القدس، كانون الثاني/يناير 1948.

9. مجزرة كفر قاسم، تشرين الأول/ أكتوبر 1956.

10. مجزرة خان يونس، تشرين الثاني/نوفمبر 1956.

11. مجزرة الأقصى الأولى تشرين الأول/ أكتوبر 1990.

12. مجزرة الحرم الإبراهيمي، شباط/ فبراير 1994.

13. مجزرة قانا (لبنان) نيسان/أبريل 1996.

14. مجزرة مصنع أبو زعبل (مصر) شباط/فيراير 1970.

15. مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا (بيروت) 1982.

16. مجزرة جنين، نيسان/ أبريل 2002.

17. مجزرة غزّة تشرين الأول/أكتوبر 2023.

المفارقة إن الكيان الصهيوني لم تطله أي محاكمة أ ومحاسبة على جرائمه على مدى هذه العقود، ولم يُطبق عليه القانون الدولي الذي يجرّم أعمال القتل والابادة الجماعية، يُذكر أن الكيان الصهيوني غير موقع على ميثاق روما المتعلق بالمحكمة الجنائية.

في الخلاصة، إن كل المآسي التي تعيشها الامة العربية من جراء التقسيم الذي ابتلت فيه المنطقة العربية بعد اتفاقية سايس – بيكو 1916-1918، وقبلها مقررات مؤتمر كامبل عام 1907، وتتويجها بوعد بلفور المشؤوم عام 1917، وزرع كيان دموي في فلسطين، قلب الأمة العربية، كان لمنع نهضة هذه الأمة وعدم بروز قوة تشكل تهديد ليس فقط لديمومة الكيان الصهيوني، بل لمصالح الدول الغربية والتي أصبحت في العقود الأخيرة من هذا القرن تحت الوصاية الأميركية المهيمنة على كل المنظمات والكيانات العالمية. وما حصل في العراق، باعتباره الحجر الأساس وقطب الرحى في مواجهة الاحتلال الصهيوني، من تآمر منذ 1980-2003، لإشغاله واستنزاف كل مقدراته إلى حد تدميره، ما هو إلا جزء من تلك الخطط الخطيرة، التي وضعت المنطقة العربية أمام ستاتيكو تفتيتي يمهد لشرق أوسط جديد ،  وأعطيت أدوار لقوى إقليمية تخدم هذا المشروع،  وأسوأ هذه الأدوار وأخطرها هو الدور التخريبي والتدميري الذي أُعطي  لنظام الملالي في إيران الموازي للدور الصهيوني الذي توغل في العمق العربي ومزق أوصال العديد من دوله (العراق، اليمن، سوريا ولبنان،) كما يعمل على الاستثمار بالموضوع الفلسطيني تحت شعار ” محو إسرائيل من الوجود” ، فها هي غزّة  بعد 28 يوما” من العدوان، تُدمر على رؤوس أهلها، فلم يسلم لا البشر ولا الحجر ، ولم تُحرك إيران ساكنا” ، سوى بالبعبعة والبروباغندا   الإعلامية. 

اما البلاء الأعظم الذي ابتليت به الأمة العربية هو تخاذل النظام العربي وانبطاحه أمام المشاريع الاستعمارية الجديدة، وهرولته لعمليات التطبيع المُذلة مع الكيان الصهيوني، وهذا ما كان ليتم لولا تغيب العراق عن المشهد العربي، الذي كان القلعة والحصن الحصين لهذه الأمة، إن كان للبوابة الشرقية الوطن العربي أو بما يخص القضية الفلسطينية. 

في النهاية، لقد تحمل الشعب الفلسطيني ما لا يتحمله شعب آخر في العالم جراء ممارسات الكيان الصهيوني التي بلغت الإبادة الجماعية دون أي رادع أو ملاحقة قانونية. فهدا الكيان المجرم ليس فقط يتجاوز، بل يدوس كل القوانين الدولية التي تُجرم أعمال القتل الهمجي والابادة الجماعية، مستمدا” قوته وجبروته من الحاضنة الأميركية والدعم الغربي له. 

ألم يحن الوقت لنهاية هذا الدرب الطويل المُضرّج بدماء الأبرياء واستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة وحريته وعيشه بسلام؟؟  هنا نورد بعض الأبيات الشعرية للشاعر إيليا أبو ماضي لديار السلام التي لم تعش يوما” سلاما”:

فلسطين

ديار السّلام، وأرض الهنا يشقّ على الكلّ أن تحزنا،

فخطب فلسطين خطب العلى وما كان رزء العلى هيّنا،

سهرنا له فكأنّ السيوف تحزّ بأكباد ههنا،

وكيف يزور الكرى أعينا ترى حولها للرّدى أعينا؟

وكيف تطيب الحياة لقوم تسدّ عليهم دروب المنى؟

بلادهم عرضة للضّياع وأمّتهم عرضة للفنا،

يريد اليهود بأن يصلبوها وتأبى فلسطين أن تذعنا،

وتأبى المروءة في أهلها وتأبى السّيوف، وتأبى القنا…

مصادر:

  1. https://kitabat.com/هنري-كامبل-بنرمان؛أخطر-مؤتمر-في-القرن/
  2. https://ar.wikipedia.org/wikiقائمة_المجازر_الإسرائيلية_في_فلسطين
  3. https://arabicpost.nethistory/2023/10/11/المجازر-الإسرائيلية/
  4. https://www.pcbs.gov.ps/site/lang__ar/1111/default.aspx
Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button