العالملبنان

طفولة مُستباحة في ظل الانهيار،فمن يحمي أطفال لبنان؟

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية

24/7/2023

إن حالة الانهيار والانحلال التي المّت بكل مفاصل الدولة اللبنانية التي تسببت بها الطغمة السياسية الفاسدة، الفاقدة لكل المعايير الأخلاقية، أوصلت البلاد إلى حال يُرثى لها. حيث كان لهذا الانحلال والانهيار تداعيات خطيرة على كافة الصعد، وأخطر هذه التداعيات، اغتصاب الطفولة. 

ففي خلال أيام من الشهر الحالي حصلت عدة جرائم تتعلق بحالات اغتصاب أطفال واتجار بالبشر من خلال جمعيات تديرها مافيات وعصابات “محمية” من عصابات النظام السياسي الذي غيّبت وشلتّ عمدا” عمل مؤسسات الدولة عن القيام بدورها لتصل الأمور إلى ما وصلت اليه من انفلات ليس فقط على الصعيد السياسي والمالي، بل الصعيد الأخلاقي والاجتماعي والتربوي والصحي والسبحة تكر… 

فمنذ ما يُقارب الأسبوع توفيت الطفلة لين طالب، ابنة الخمس سنوات، متأثّرة بنزيف حادّ، نتج عن تعرّضها لاعتداءات جنسيّة متكرّرة، وتلاها جريمة اغتصاب طفل لا يتجاوز عمره السبع سنوات، أيضا بجريمة اغتصاب، لنُصدم بعد ذلك بكشف فضيحة لأحدى الجمعيات لرعاية الطفولة بتهمة جريمة الاتجار في البشر والتي أُتخذ بحقها وبحق إدارتها الإجراءات القانونية اللازمة. واعتبرت المحكمة “أن هذا العمل الإجرامي يمس “بالمبدأ السامي والمقدّس، المنصوص عنه في جميع القوانين والاتفاقيات الدولية واللبنانية، منها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل تاريخ 20/11/1989 والقانون 422/2002، والمتوافق بدروه مع أبسط مبادئ الأخلاق وحقوق الطفل والإنسانية”.  

وأكدت المحكمة  وشددت بجزم،” ان الأطفال المعرّضين للخطر، والذين يتم وضعهم في مؤسسات اجتماعية من قِبل محكمة الأحداث بغية حمايتهم من الخطر اللاحق بهم من قِبل أهلهم وذويهم،  تعرضوا لأبشع وأفظع الجرائم التي يمكن أن تطال جسدهم ومشاعرهم وحقهم بعيش طفولة سعيدة وآمنة، كما أن الأطفال الرضّع الذين يتم التخلي عنهم بشكل شبه يومي من قِبل أهلهم، عِبر تركهم أمام مكبّات النفايات دون أية رأفة أو إحساس، هم قبل كل شيء هم  أطفال الله، وإن أطفال الله ليسوا عرضة للبيع ولا للتجارة ولا للاغتصاب ولا للتحرش الجنسي وللابتزاز ولا لتشغيلهم في منازل أصحاب المؤسسات كعمال نظافة، ولا لسوء التربية وانحطاط الأخلاق عبر السماح لهم بالسهر في ملاهي ليلية وصولا لحد الثمالة والانتحار، ولا لتوجيه كلمات نابية وجارحة بحقهم وإهانتهم كترداد أمام مسامعهم أنهم ثقل على الجمعية وأنهم ليسوا مرغوبين فيهم، ولا لقلّة النظافة المُسببّة للأمراض الحادة كما هو موثق داخل إحدى الجمعيات“. 

وهذا وقد أصدرت المحكمة قرارا” يقضي بإقفال الجمعية بشكل فوري وحالي، وختمها بالشمع الأحمر، بشأن المخالفات الفاضحة بحق القصّار الموجودين داخل الجمعية.

هذه اللاآت المتعددة التي أصدرتها المحكمة يجب ان تُوجه أيضا” للدولة اللبنانية بالدرجة الأولى لأن مؤسسات الدولة هي التي تقع عليها المسؤولية الأكبر عن هذه الجرائم حيث وزارة الشؤون الاجتماعية المعنية بهذه الدور غائبة كليا” عن القيام بدورها على أرض الواقع.

 ومن باب التذكير، تٌلزم المادتين رقم 34 و35 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل الدول:           “بحماية الأطفال من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والاعتداءات الجنسية، يشمل دلك تجريم إكراه الطفل على القيام بممارسات جنسية، وبغاء الأطفال واستغلالهم إباحيا”. كم تُلزم الدول أيضا” بالحؤول دون خطف الأطفال وبيعهم أو الاتجار بهم”.

وفي السياق، أظهرت العديد من الإحصاءات والدراسات لمؤسسات دولية ومحلية الحالة المرعبة التي يعيشها أطفال لبنان. فقد صدر بيان، مطلع شهر يوليو الماضي، عن ممثل “يونيسيف” في لبنان إدوارد بيج بيدر قال فيه “إن المعلومات والتقارير التي يتم تداولها مؤخراً في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي عن ممارسات عنفيه جنسية وجسدية جسيمة بحقّ الأطفال، هي مؤشر إضافي إلى تزايد مظاهر العنف ضد الأطفال في لبنان“.

كما ناشدت منظمة “اليونيسيف” الأسر والمجتمعات والسلطات المحلية توفير السلامة والرفاه للأطفال والشباب، ودعت الجميع إلى كسر حاجز الصمت بشأن إساءة معاملة الأطفال ودعم حقهم في الحماية، حتى يتمكن كل طفل من العيش في بيئة آمنة خالية من العنف. كما دعت إلى حماية خصوصية الأطفال الناجين من العنف، وشددت على ضرورة ألاّ يتم نشر معلومات متعلقة بهؤلاء الأطفال، بما في ذلك الأسماء والصور ومقاطع الفيديو التي تحتوي على مشاهد عنيفة؛ لأن نشر هذه المواد والمعلومات قد يزيد خطر وصم الأطفال وأسرهم اجتماعياً.

وفي شهر ديسمبر الماضي، صدر عن اليونيسف تقريراً يفيد أن طفلا من بين كل طفلين في لبنان معرض لخطر العنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي، في الوقت الذي تكافح فيه الأسر لمواجهة الأزمة المتفاقمة في البلاد. ويشير التقرير إلى أن حوالي 1.8 مليون طفل، أي أكثر من 80% من الأطفال في لبنان، يعانون من فقر متعدد الأبعاد، بعد أن كان العدد حوالي 900,000 طفل في عام 2019.

وفي شهر نوفمبر الماضي أيضاً، حذّرت “اليونيسف” من أن “مستقبل جيل كامل من الأطفال في لبنان على المحك جراء تفاقم تداعيات الانهيار الاقتصادي عليهم، من نقص في التغذية والرعاية الصحية، وارتفاع في معدل العمالة في صفوفهم”.

كما أظهرت الدراسة التي أجرتها المنظمة على مدى ستة أشهر أن “مئات آلاف الأطفال في لبنان معرضون للخطر”، متحدثة عن تراجع دراماتيكي في أسلوب عيش الأطفال اللبنانيين فيما لا يزال الأطفال اللاجئون يرزحون تحت “وطأة الضرر الكبير”، كما ظهر أن عدد الأسر التي أرسلت أطفالها إلى العمل ارتفع من 9 % إلى 12%”.

إن النتائج التي تسجل اليوم هي متوقعة بسبب الأزمة التي المّت في البلاد، لناحية ازدياد حالات العنف ضد الأطفال، إن من ناحية الأهل أو من ناحية المجتمع، خاصة مع التراجع الكبير على صعيد الصحة النفسية للأهل وللأطفال على حد سواء، وعدم قدرة الأهل على تأمين احتياجاتهم واحتياجات أطفالهم، مما زاد من الضغط النفسي الذي يؤدي إلى زيادة في اللجوء إلى العنف. كما إن هناك نسبة كبيرة من الأطفال الذين لا يعرفون بوجود أماكن يلجؤون إليها عند تعرضهم للعنف، لطلب الحماية أو الدعم، وهناك أطفال يعرفون انهم بخطر، ولكن لا يعرفون أن هناك قانون وجمعيات وجهات في لبنان قادرة على حمايتهم وتحصيل حقوقهم، حتى المجتمع بشكل عام في بعض المناطق لا يعلم أيضاً بوجود هذه القوانين وهذه الجهات التي تؤمن الحماية والدعم، حسبما أعلنته المتخصصة في حماية الأطفال فرح بربر إلى صحيفة الحّرة.

دور القوانين

تعاقب المادة 505 من قانون العقوبات اللبناني كل من جامع قاصراً دون الخامسة عشرة من عمره بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تنقص عن خمس سنوات، ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان الولد لم يتم الثانية عشرة من عمره، ومن جامع قاصراً أتمّ الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة عوقب بالحبس من شهرين الى سنتين.

أما المادة 506، فتنص على أنه إذا جامع قاصراً بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة أحد أصوله شرعياً، كان أو غير شرعي أو أحد أصهاره لجهة الأصول، وكل شخص يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية أو أحد خدم أولئك الأشخاص، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة. ويُقضى بالعقوبة نفسها إذا كان المجرم موظفاً أو رجل دين أو كان مدير مكتب استخدام أو عاملاً فيه فارتكب الفعل مسيئاً استعمال السلطة أو التسهيلات التي يستمدها من وظيفته.

ولكن وبالرغم من وجود قانون في لبنان لحماية الأطفال، وقانون حماية الأحداث رقم 422\2002،  إلا أنه لا يشكل رادعاً قويا”، بدليل تكرار هذه الجرائم وتسارعها، لاسيما في ظل كل ما يحصل من فوضى اجتماعية وأمنية وسياسية في البلاد نتيجة الأزمة الاقتصادية القائمة منذ العام 2019، والتي صنفت من الأسوأ في تاريخ العالم، حيث “لا تطبق هذه القوانين بالشكل اللازم.

في النهاية، إن مسؤولية حماية الطفولة هي مسؤولية الجميع، ولكن لدور الأهم والمسؤولية الأساسية وبالدرجة الأولى تقع على عاتق الدولة، إن كان من ناحية ن قوانين صارمة وتطبيقها بحق منتهكيها، أو من ناحية دور الوزرات المعنية بهذا الموضوع، وخاصة وزارة الشؤون الاجتماعية المعنية الأكبر بهذا الموضوع من حيث نشر التوعية والرقابة والمتابعة الدائمة. كما يجب إعادة النظر بصياغة قوانين العقوبات التي تجرم كل من يعتدي على قاصر خاصة فيما يتعلق بالاعتداءات الجنسية والجسدية والاستغلال والاتجار كي لا يجرؤ أحد على خدش براءة القاصرين.

إن جريمة انتهاك براءة الطفولة في لبنان هي واحدة من تداعيات انهيار وانحلال أجهزة الدولة وعدم انتظام عمل المؤسسات، لذا لا بدّ من صرخة مدوّية نرفعها عاليا” في وجه السلطات المعنية لإعادة الحياة إلى مؤسسات الدولة للقيام بدورها المطلوب، لتدارك ومنع تكرار هذه الجرائم بحق الطفولة، لأن هذا الوضع المأساوي، إن استمر على هذا الحال من الفراغ والإهمال وعدم تطبيق القوانين الصارمة، فعلى أطفالنا ومستقبلهم السلام! 

  1. https://www.alhurra.com/arabic-and-international/2022/08/25/

أطفال-لبنان-بخطر-5-جرائم-عنف-واغتصاب-

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button