سوريالبنانلجنة المرأة

الدور الإيراني في لبنان وسوريا، هيمنة وإخضاع

لا يختلف المشهد  السياسي/الأمني الدراماتيكي الذي يعيشه كل من لبنان وسوريا عما يعانيه العراق واليمن والأحواز العربية من جراء احتلال إيران وتوغلها في عمق هذه الدول، هذه الاستراتيجية اعتمدتها إيران بهدف نشر نفوذها وبسط هيمنتها، إن كان بشكل مباشر أو عبر أذرعها وميليشياتها، ا لتي عاثت خراباً ودماراً لمكونات هذه الدول،  حيث عملت  هذه الميليشيات على تفتيت نسيجها الاجتماعي وتدمير بناها السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية والاجتماعية، في تماه مع مصالح الكيان الصهيوني . وكان قد عبر المسؤولون الإيرانييون  في تصريحاتهم بأنهم سيطروا على أربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت.

ولبنان اليوم المنهار والممزق بعد العراق واليمن هو مثال صارخ للتدخل الإيراني في شؤونه الداخلية. هذا البلد الذي كان يٌعتبر منارة الشرق، جعلت منه إيران عبر المنظومة السياسية  المرتبطة بها، بلداً مفككاُ بكل مكوناته خدمة لمشاريعها التوسعية ، واستخدام ساحته للمقايضات وورقة على طاولة المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني.

بداية التغلغل الإيراني في لبنان بدأ  في ثمانينات القرن الماضي عبر تأسيس تنظيم سياسي عسكري ذات بعد طائفي ومذهبي، بإدعاء محاربة اسرائيل، وكيف للمرء ان يصدق هذا الإدعاء في الوقت الذي تحصل فيه إيران على أسلحة من اسرائيل ، فقط للتذكير بـأكبر الفضائح بين إيران وأميركا التي عرفت بـ( فضيحة إيران غيت / إيران كونترا)، عند قيام حزب الله في الثمانينات بأمر من إيران بخطف الرهائن الغربيين في بيروت للمقايضة بهم في سبيل حصول إيران على أسلحة من أميركا بوساطة اسرائيلية إبان الحرب مع العراق.

 هذا التنظيم الممول ماديا ًوعسكرياً ولوجستياُ من إيران، استطاع عبر هذه السنين أن يقبض على كل مفاصل الدولة اللبنانية والسيطرة على كل مقوماتها، الأمنية والسياسية والاقتصادية والقضائية.  حيث يمكن القول أنه لعب دور الوصاية السياسية على لبنان بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005  بعد وجود دام 30 عاماُ ، على أثر اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.  وفي هذه الفترة فاز حزب الله في الانتخابات النيابية بكتلة نيابية كبيرة، وقد عبّر  وقتذاك الإيرانيون عن سعادتهم بهذا الفوز، عندما صرّح قاسم سليماني عن انتصار إيران بفوزها بأكثرية نيابية في البرلمان اللبناني.  ومن هنا بدأت مرحلة جديدة من الصراع على السلطة. فشهدت البلاد ما يقارب الست سنوات صراعاً مفتوحاً، وعلى خيارات التحالفات الخارجية، وعلى الموقف من المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري، وتخللت الصراع عمليات اغتيال استهدفت مثقفين وصحافيين وسياسيين وأمنيين من المعسكر المناوىء للوجود السوري وربطاُ للدور الإيراني متمثلاً بمليشيا حزب الله. وفي هذه الفترة خاض حزب الله حرب ضارية مع العدو الاسرائيلي على خلفية خطف جنديين اسرائيليين في تموز/يوليو 2006،  هذه الحرب التي دمرت لبنان، بينما  جعلت حزب الله يوظف “صموده” لقلب موازين الحكم في لبنان،  عبر امساكه بكل مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية. والمٌقرر فيها، في الحرب والسلم.

وكان كلما  تعرض  هذا التنظيم لفشل أو عائق ما  لخططه، كان يقوم بإحداث مشكلات ميدانية وعملانية، على سبيل المثال لا الحصر، تعطيل عمل السلطة التنفيذية عبر سحب وزارءه من مجلس الوزراء، وتعطيل عمل مجلس النواب، حيث عاش لبنان فراغاُ دستورياً لأكثر من عامين،  حتى أوصل حليفه ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ليتحكم لأحقاً في تسمية الوزراء وتشكيل الحكومة ، وإقالتها أو تعطيلها ، كالذي يحدث في هذه الفترة على خلفية التحقيق بجريمة مرفأ بيروت.  وبفائض قوته وعنجهيته اجتاح العاصمة بيروت في 7 آيار2008 منتهكا الحرمات، الذي اعتبره امينه العام “يوماً مجيداً”،  كما حاول اجتياح بعض مناطق الجبل، وتدخلت  حينها وساطات عربية ودولية أفضت إلى اتفاق الدوحة الذي منح هذا المكّون ما يُسمى بالثلث المعطل، الذي يتيح له أن يتحكم  بقرارات مجلس الوزراء كيفما يشاء. كما قام بتغطية فساد الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى انهيار شامل لم يشهده  لبنان في تاريخه، وانقضّ على انتفاضة 17 تشرين 2019 وشلّ نشاطها بكل الوسائل القمعية. وما زاد من طين التسلط بلّة، هو انفجار مرفأ بيروت الذي وقع  في 4 آب 2020، والذي أُعتبر ثالث أو رابع أكبر انفجار نووي في العالم، الذي دمر ثلث العاصمة بيروت وقتل المئات وشرد مئات الآلاف، وما تبعه من تداعيات من جراء قيام هذه الميليشيا من منع إجراء أي تحقيق يتعلق بجريمة المرفأ. وحالياُ يشترط حزب الله  لعقد مجلس الوزراء تنحية المحقق العدلي بقضية المرفأ القاضي فادي بيطار، لخوفه من كشف حقائق ممكن أن يكون متورط فيها. 

 سورياً، شكل اندلاع الثورة السورية عام 2011 التطور الأبرز والأعمق في مسار حزب الله السياسي لبنانياً وسياسياً، حيث غاصت إيران في وحول هذا الصراع بشكل مستميت ، لأنها ترى ان سوريا (الحليف الاساسية والوحيدة لإيران) تشكل ممراً إلزامياً نحو لبنان ، المنفذ الأيراني على البحر المتوسط . وخوفاُ من تبدُّل موازين القوى في سوريا، دفعت إيران إلى اشراك حزب الله في المعارك وبإشراف مباشر من قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، بعد الترويج  الكاذب بأن المقامات الدينية “الشيعية” في دمشق تتعرض للتهديدا. ومن هذه النافذة توغلت إيران في عمق الصراع السوري عبر ميلشياتها، ( إيرانية وعراقية ولبنانية بالإضافة إلى مرتزقة من جنسيات أخرى).  حيث ارتكب حزب لله المجازر في العديد من المدن والقرى السورية، وهجر أهاليها، في الوقت ذاته كانت ميليشيات إيران قد بدأت بحملة تشييع واسعة في سوربا بغية التغيير الديمغرافي والهوية الدينية والثقافية للشعب العربي السوري،  وجديدها إقالة مفتي سوريا واستبدال صلاحياته بـ “المجلس العلمي الفقهي” المكون من سوريين وايرانيين، مما جعل الخطر أكبر في تغيير التركيبة السكانية للسوريين، واستحداث هوة أخرى تتناسب مع التغيير الديموغرافي، المناقض للمكون العربي السوري، يُضاف إليها تغيير أسماء بعض المعالم التاريخية في سوريا المرتبطة بالحقبة الأموية.

في النهاية،  أن إيران تعتمد على ذراعها الأقوى المتمثل في ميليشا حزب الله في  سياستها تجاه لبنان والدول العربيَّة، ومساعيها لتغيير الأوضاع الجيوسياسيَّة والاستراتيجية في عموم المنطقة العربيَّة،  لصالح القوة الإيرانية سواء من الناحية الآيديولوجية أو من ناحية النفوذ الأمني والتعبوي لجميع الدول الموجودة ضمن هذا المجال الحيوي، فأصبح حزب الله الإيراني الرقم الأكبر  والأصعب في هذه المعادلة ، من خلال ترسانة الاسلحة الهائلة التي يمتلكها والتي هي أكبر ترسانة عسكرية لتنظيم عسكري خارج إطار الجيوش النظامية، التي بدورها قادرة على قلب موازين القوة ، إن كان على الصعيد اللبناني أو الاقليمي خدمة للمشورع الإيراني/الفارسي التوسعي. 

المستشارة نعمت بيان

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button