العالمبیانتقارير

التكتلات الاقتصادية الدولية  وقبضتها على الاقتصاد العالمي

إن ظاهرة التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الدول قائمة منذ القِدم ولو لم تأخذ أشكال تكتلات ومنظمات تحكمها اتفاقيات وبروتوكولات وقوانين دولية كالتي نشهدها في عصرنا الحالي، إلى منتصف القرن الماضي، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتداعياتها على الدول التي كانت ضمن دائرة هذه الحرب، من هنا بدأت فكرة وضع الحجر الأساس لتأسيس كيانات اقتصادية تمت عبر اتفاقيات تجارية تطورت لاحقا” لتصبح كيانات كبيرة وسمة من سمات النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الغاية منها تحقيق التكامل الدولي الاقتصادي على الصعيد العالمي. وأقوى تلك الكيانات تلك التي تقودها الدول الصناعية الكبرى التي باتت تسيطر على الاقتصاد العالمي، حيث يُعتبر الاتحاد الأوروبي المثل الأبرز والأكثر نجاحا” في هذا الصدد، في حين ما زالت التكتلات الاقتصادية في الدول النامية ضعيفة ومتعثرة. وتعزز التوجه نحو التكتلات الاقتصادية بخضوع كل من الدول المتقدمة والنامية لشروط منظمة التجارة العالمية الخاصة بتحرير التجارة بعد إعلان المنظمة عام 1995، إضافة إلى خضوع العديد من الدول النامية لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، خاصة بإعادة جدولة الديون وما ترتب عليها من التزامات ببرامج الخصخصة وما يتبعها من قيود وشروط.  إن وجود هذه التكتلات مع هذا التأثير الهائل على العلاقات الاقتصادية الدولية يؤكد على أهمية الأسباب التي أدّت إلى نشوئها لتشكل تحولا” جذريا” في بنيان الاقتصاد العالمي.

 تعريف التكتل الاقتصادي

التكتل الاقتصادي هو عبارة عن صيغة للتكامل الاقتصادي تتم بين مجموعة من الدول المتقاربة والمتجانسة تاريخيا” وثقافيا” واقتصاديا” وحتى جغرافيا” لتحقيق مصلحة اقتصادية مشتركة. كما يُسمى بالتكامل الاقتصادي الإقليمي، حيث يتم العمل والتبادل التجاري بين بلدان المنطقة الجغرافية الواحدة. 

حاليا” أصبح نشوء التكتلات لا يخضع لنفس الشروط التي كانت مطلبا” أساسيا” سابقا”، حيث بدأ يأخذ بعدا” قاريا” وهو ما يجعل ارتباط الدول في أكثر من إقليم لا تربطها عوامل اجتماعية وثقافية ولا تقارب جغرافي. لهذا شهد العالم نشاطا واسع النطاق على صعيد تكوين التكتلات والتجمعات الإقليمية الاقتصادية سواء في إطار ثنائي أو شبه إقليمي، أي خرج هذا التوجه عن النمط التقليدي للتكامل، حيث بات تجمع بين هذه المجموعة من الدول ذات التفكير المتشابه عبر نطاق جغرافي متسع تحده المحيطات والتي تسمى بالمجالات أو الفضاءات الاقتصادية الكبرى مع تنامي التوجه نحو تشكيل تكتلات تجمع بين دول ذات مستويات تنمية مختلفة، ومجموعة “البريكس” خير دليل على ذلك.

أسباب نشوء التكتلات الاقتصادية

إن الأسباب التي أدت إلى نشوء وتشكيل كيانات وتكتلات اقتصادية متعددة، والتي أخذت مسارا” زمنيا”” تجاوز الخمسة عقود، تقريبا الفترة الممتدة ما بين عام 1948 إلى عام 2006. فأول ظهور لهذه الكيانات كان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حينها بدأت فكرة تشكيل التكتلات الاقتصادية بهدف إعادة الاستقرار والازدهار إلى الدول وخاصة الأوروبية منها التي انهكتها هذه الحرب واستنزفت كل طاقاتها ومواردها، لهذا قامت العديد من هذه الدول بالانضمام إلى تجمعات إقليمية متكاملة لإعادة الاستقرار الاقتصادي والسياسي والتي كانت حافزا” لتشهد القارة الأوروبية أول تكتل اقتصادي عُرف باسم “المجموعة الاقتصادية الأوروبية” والمعروف اليوم بالاتحاد الأوروبي. 

وفي ذات السياق، أي بعد انتهاء الحرب الباردة في النصف الثاني من ثمانيات القرن الماضي وما رافقها من تحركات على الصعيد العالمي، تم العمل على إعادة رسم خريطة العالم الاقتصادية والسياسية وصياغة نسق العلاقات الدولية في إطار ما يسمى بالنظام الدولي الجديد الذي كان له أثر واضح على المستوى العالمي، حيث أدى إلى متغيرات جذرية في نسق النظام الاقتصاد العالمي. 

ومن أهم تلك المتغيرات ما جرى في 15 أبريل/نيسان عام 1994 حيث تم توقيع 111 دولة على “اتفاقية مراكش” لإنشاء منظمة التجارة العالمية لوضع معالم التنظيم الدولي للتجارة وتدويل الحياة الاقتصادية أو ما يسمى بالعولمة التي إلى جانب وجهها الاقتصادي لها أوجه أخرى سياسية وثقافية وحتى اجتماعية.

بينما يُرجع العديد من الخبراء في الشأن الاقتصادي سبب نشوء التكتلات الاقتصادية إلى انهيار اتفاقية (بريتون وودز) عام 1973 المتعلقة بأسعار الصرف الثابتة، والانتقال إلى العمل بنظام الصرف العائم، وما رافق ذلك من ارتفاع في أسعار الطاقة وتقلبات حادة في أسعار العملات وبلوغ أزمة المديونية الخارجية ذروتها، مما دفع بالدول الصناعية الكبرى إلى اتباع سياسيات حماية أثرت سلبا” على حرية التجارة وانتقال السلع لا سيما إلى الدول النامية وصادراتها الى الدول  المتقدمة، يُضاف إلى ذلك انهيار منظومة الدول الاشتراكية، وهيمنة النظام الرأسمالي القائم على اقتصاد السوق وتزايد الدول المُطبِّقة لنظام الاقتصاد الحر، مما أوصل تلقائيا” إلى تكوين تكتلات اقتصادية على نطاق واسع، حتى أصبحت سمة أساسية من سمات النظام العالمي الجديد، والذي حوّل الصراعات بين الدول الكبرى من صراعات عسكرية إلى صراعات اقتصادية بعد أن حل التحدي الاقتصادي محل التحدي الأمني والايديولوجي فتوصلت دول السوق الأوروبية المشتركة إلى معاهدة ماستريخت عام 1991 التي تم بموجبها تحول السوق إلى اتحاد أوروبي، ثم ما لبثت الولايات المتحدة الأمريكية أن أعلنت في عام 1992 إنشاء منظمة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) ، كما ظهرت تكتلات عملاقة كالتجمع الكبير الذي يضم معظم دول آسيا والباسيفيكي (آيبك)، وفي عام 2006 تشكلت مجموعة البريكس التي تُعد أيضا من كبرى التكتلات الاقتصادية العالمية والتي سيكون لها دورا” بارزا” في التحولات الاقتصادية على الصعيد العالمي.

*(اتفاقية “بريتون وودز” هي ما تُعرف بمؤتمر النقد الدولي الذي انعقد في 1 آيار/مايو 1944 في غابات بريتون في الولايات المتحدة الأميركية  -صاحبة الدعوة- والذي حضره ممثلون ل 44 دولة وضعوا الخطط من أجل نظام نقدي جديد يُسهم في استقرار النظام  المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية وبالطبع تحت الرعاية الأميركية ، من أهدافه الرئيسية  تثبيت أسعار صرف العملات أمام الدولار الأميركي مقابل ربط الأخير بالذهب، ليتحول الدولار من عملة محلية إلى عملة احتياطات دولية).   

مقومات نشوء التكتلات الاقتصادية

يعتمد نشوء التكتلات الاقتصادية الدولية على العديد من المقوّمات التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تسهم في توطيد وتمتين أواصر التكتل الاقتصادي ونجاحه وازدهاره، ومن أهم هذه المقومات:

1.الرابط التاريخي بين دول التكتل القائم على تبادل المصالح والمصير المشترك.

2. التقارب الجغرافي، حيث تتداخل ظاهرة القومية يبن دول المنطقة المشمولة بالإطار الجغرافي للتكتل الاقتصاد، الذي يُسهم بدوره في تقوية أواصر التكتل وازدهاره.

3.التقارب السياسي، الذي يحقق التكامل الاقتصادي، من حيث توفر الإرادة السياسية لإقامة تكتلات قوية تندمج فيها السيادات المنفردة، ليكون لها ثقلها في تيسير العلاقات الدولية.

4. العامل التنافسي، إذ إن ضعف المركز التنافسي والتفاوضي لكل من دول التكتل -وخاصة إذا كانت من فئة الدول النامية – يعدّ حافزاً مهماً نحو تكتلها وتكوين مجموعات إقليمية تكاملية فيما بينها لمواجهة القوى التنافسية الكبرى ومقاومة آثار التقلبات الاقتصادية، وزيادة القدرة التفاوضية مع الدول والتكتلات الأخرى.

5.العوامل الاقتصادية، والتي يمكن إيجازها بالمزايا المتحققة من التكتل الاقتصادي كتوسيع سوق الإنتاج والتصريف بسبب إزالة القيود والعوائق أمام تبادل المنتجات وتنقل رؤوس الأموال والأشخاص، والقدرة على القيام بمشروعات استثمارية تفوق القدرات المحلية لكل بلدٍ من بلدان التكتل، وتوفير النفقات والاستفادة بصورة أفضل من وسائل النقل والمواصلات والاتصالات المتبادلة، ومهارات الفنيين والأيدي العاملة.

6العامل العسكري/الأمني، إذ يسمح التكتل الاقتصادي بتشكيل قوة دفاعية تجاه العالم، وقد تتحول إلى قوة عسكرية، من اجل درع المخاطر الأمنية ومحاربة الشبكات الدولية للتهريب والتنسيق الأمني الجماعي للمحافظة على الكيانات القومية.

7. العامل الثقافي/الاجتماعي، إن التقارب الثقافي والاجتماعي يعزز من تماسك دول التكتل حيث تربط بين دول التكتل أنماط اجتماعية وثقافية مشتركة.

أشكال التكتلات الاقتصادية الدولية

للتكتلات الاقتصادية الدولية أشكال متعددة، تختلف باختلاف درجة التقارب والاندماج بين دول التكتل وطبيعة الأهداف فيما بينها، ويمكن تصنيف هذه التكتلات متدرجة من الأدنى إلى الأعلى على الشكل التالي:

1.منطقة التجارة الحرّة:

تتضمَّن اتفاق دولتين أو أكثر على التخفيض أو الإلغاء التدريجي للحواجز والقيود الجمركية وغير الجمركية في علاقاتها التجارية المتبادلة. أي تلتزم كل دولة متعاقدة بتخفيض القيود على الواردات القادمة من الدول الأطراف المتعاقدة الأخرى أو بعضها أو إلغائها. ولكن بنفس الوقت يحق لكل دولة عضو في منطقة التجارة الحرة الاستمرار بفرض الرسوم والتعرفة الجمركية على ما تستورده من الدول الأخرى غير الأعضاء في المنطقة، أي من دون الالتزام بتعرفة جمركية مخفضة مع الدول غير الأعضاء.

  أبرز الأمثلة على مناطق التجارة الحرة القائمة حاليا”:

أمنطقة التجارة الحرّة لدول أميركا الشمالية (نافتا): التي أُنشئت بموجب اتفاقية عام 1992 بين كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، وأصبحت سارية المفعول عام 1994، وهي تُعدُّ حاليا” من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم بعد الاتحاد الأوروبي من ناحية الحجم والامكانيات التكنولوجية والثروات الطبيعية والقدرات المالية الهائلة.

ب. منطقة التجارة الحرّة لدول جنوب شرق آسيا (آسيان): أُنشئت بموجب اتفاقية عام 1944، والتي تضم الدول التالية: اندونيسيا الفليبين، بروناي، تايلاند، لاوس، كمبوديا، ميانمار، فيتنام، سنغافورا وماليزيا. في البداية نشأت هذه المنطقة كمنظمة سياسية لمواجهة المد الشيوعي في جنوب شرق آسيا، ثم تحولت لاحقا” إلى تكتل اقتصادي بهدف مواجهة الإجراءات الحمائية التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تجاه الصادرات الآسيوية إلى أراضيها. وقد أزدهر وازداد دور هذا التكتل بشكل متسارع في الاقتصاد العالمي، وخاصة خلال المفاوضات الهادفة إلى تحرير التجارة العالمية.

ج. منطقة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (آبيك): وهو منتدى دولي يضم 21 دولة، تأسس عام 1989 بدعوة من أستراليا، حيث انعقد اجتماع قمة في كانبيرا بأستراليا، تم فيه الاتفاق على تكوين(آبيك) لتكون نقطة التقاء بين اقتصادات آسيا والمحيط الهادي، والاتفاق على سياسة الانفتاح وتحرير الاقتصاد في البلدان الأعضاء.

د. منطقة التجارة الحرّة لدول شرق وجنوب إفريقيا ( الكوميسا): تأسست عام 1989 وتم توسيع أهدافها منذ عام 1994. وتضم 21 دولة إفريقية (مصر، السودان، اثيوبيا، ارتيريا، زامبيا، جيبوتي، أوغندا، كينيا، جزر القمر، تنزانيا، رواندا، أنغولا، الكونغو الديمقراطية، مالاوي، سيشل، موريشيوس، مدغشقر، زيمبابوي، ناميبيا، بورندي وسوازيلاند). ويهدف هذا التكتل الضخم إلى زيادة استغلال المشترك للموارد المُتاحة، وإزالة المعوقات أمام التجارة والاستثمارات بن الدول الأعضاء وتطبيق الإصلاحات الاقتصادية لزيادة اندماجها في الاقتصاد العالمي. ولكن لم تتحقق أي من هذه الأهداف لتاريخ اليوم رغم إقامة أجهزة ومشروعات مشتركة ذات أهمية.

ه. منطقة التجارة الحرّة العربية الكبرى: التي تم قرار إنشاؤها بموجب مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في القاهرة ما بين 21 و22 حزيران/يونيو 1996، ولاحقا” اتخذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية قرارا تحت رقم (1317) تاريخ 19/2/1997 يقضي بوضع البرنامج التنفيذي الهادف إلى تأسيس هذه المنطقة، وقد عُدّ هذا البرنامج تفعيلا” لاتفاقية تيسير التبادل التجاري وتنميته الموقعة عام 1981 بين الدول العربية، والتي تشكل الإطار القانوني العام لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. والغاية من تأسيس هذه المنطقة تحرير التبادل التجاري بين الدول العربية عبر الإلغاء التدريجي للرسوم الجمركية ورفع القيود عن السلع ذات المنشأ العربي، إضافة إلى تسهيل تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال وتشجيع إقامة المشاريع الإنتاجية المشتركة وتنمية العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي.

و. منطقة التجارة الحرّة السورية- التركية: لقد تم إنشاؤها عبر اتفاقية الشراكة تاريخ 22كانون الأول/ديسمبر 2004، حيث تنص مادتها الأولى على إقامة منطقة تجارة حرّة سورية-تركية خلال فترة انتقالية تستمر مدة أقصاها اثنا عشر عاما” والتي ستشمل بصورة أساسية جميع التبادلات التجارية بين البلدين، مع الأخذ بعين الاعتبار التزامات تركيا الناجمة عن الاتحاد الجمركي القائم بينها وبين الاتحاد الأوروبي، ومشروع اتفاقية الشراكة السورية-التركية.

2.الأسواق المشتركة

الأسواق المشتركة تعني أن تتفق الدول الأعضاء على إزالة جميع الحواجز الجمركية والقيود غير الجمركية وإقامة حماية مشتركة لمنتجاتها من خلال توحيد التعرفة الجمركية في العلاقات المتبادلة مع الدول غير الأعضاء، وكذلك تحرير التجارة الخارجية عبر إزالة جميع القيود التي تعوق تنقل الشخاص ورؤوس الأموال، وإقامة مشاريع مشتركة بين دول السوق. ومن أهم الأسواق المشتركة:

أ.السوق الأوروبية المشتركة، التي تأسست بموجب اتفاقية روما الموقعة في 25 آذار/مارس 1957 من قِبل 6 دول أوروبية، وهي: المانيا الاتحادية، فرنسا، إيطاليا، هولندا ولوكسمبورغ. وقد أتت مرحلة التأسيس عندما أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جورج مارشال عام 1947 عن مشروعه لإعادة بناء اقتصاديات الدول الأوربية المدمرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، مما أسفر عن تكوين المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي عام 1948 واتحاد المدفوعات الأوروبي عام 1950، والجماعة الأوروبية للطاقة الذرية عام 1955، إضافة إلى المجموعة الأوروبية للفحم والفولاذ عام 1956.  

هدف السوق الأوروبية المشتركة وفق المادة الثانية من اتفاقية روما، هو توحيد السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء، وتنمية النشاط الاقتصادي بهدف رفع مستوى المعيشة للفرد وتحقيق الوحدة الاقتصادية بين الدول الأعضاء.

ب. السوق العربية المشتركة، التي تم الإعلان عن تأسيسها بموجب قرار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية رقم (17) تاريخ 13 آب/أغسطس 1964، والتي تهدف إلى تأمين تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال والبضائع والمنتجات بين البلدان العربية، إضافة إلى حرية الإقامة وممارسة النشاط الاقتصادي واستعمال وسائل النقل المختلفة، لكن المؤسف أن أي من هذه الأهداف لم يتحقق لحين صدور قرار مؤتمر القمة العربية عام 1996 القاضي بعودة التكامل الاقتصادي ولو بالحد الأدنى عبر إنشاء منطقة التجارة الحرّة العربية الكبرى.

لا بد من الإشارة إلى أن الظروف السياسية والعسكرية والانقسامات والخلافات بين العديد من الدول العربية والتدخل الاستعماري الأجنبي والاحتلالات، أعاقت أي عمل عربي مشترك إن كان على الصعيد الاقتصادي أو السياسي.

3.الاتحادات الاقتصادية العالمية

يشهد عصرنا الحالي العديد من التكتلات والاتحادات الاقتصادية الدولية التي أصبحت تتحكم بمفاصل الاقتصاد العالمي، والتي تُعد النموذج الأمثل في مستويات التعاملات التجارية والمالية، ومن أهم هذه التكتلات/الاتحادات: 

:  European Union  الاتحاد الأوروبي-

1. يُعد الاتحاد الأوروبي من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم، يضم حاليا” 27 دولة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد عام 2020. تأسس الاتحاد وفقا” لمعاهدة ماستريخت عام 1992 والتي تم تنفيذها في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1993، من أجل إعادة بناء أوروبا وتجنيب غوصها حرب أخرى، وأيضا” من أجل تحقيق وتعزيز التكامل الاقتصادي الأوروبي عن طريق توحيد العملة وهي اليورو، وكذلك توحيد السياسية الأمنية والخارجية، وتحقيق حقوق المواطنة، والتعاون في قضايا الهجرة، واللجوء، والشؤون القضائية….   مرّ الاتحاد الأوروبي بمراحل مهدت الطريق إلى تأسيسه بشكله الحالي، أولها كان في عام 1951 حينما غرست 6 دول أوروبية بذرة التأسيس بتشكيل “المجموعة الأوروبية للفحم والفولاذ”، وهي بلجيكا وفرنسا وألمانيا، وإيطاليا، ولوكسمبورغ، وهولندا. وفي عام 1958 أصبحت باسم المجموعة الأوروبية الاقتصادية إلى أن تم تغيير اسمها في عام 1993 لتصبح تحت مسمى الاتحاد الأوروبي.

2.  منظمة التجارة الحرّة لأميركا الشمالية ” النافتا: تأسست في 1 كانون الثاني/يناير 1994 وتضم 3 دول هي: الولايات المتحدة الأميركية، كندا والمكسيك.

3.رابطة جنوب شرق آسيا “آسيان: تأسست عام 1967 كنوع من الحلف السياسي في مواجهة المدّ الشيوعي المنتشر في دول جنوب شرق آسيا، لاسيما في فيتنام وبروما. هذه الرابطة تضم 10 دول وهي: أندونيسيا، ماليزيا، الفليبين، سنغافورة، تايلاند، بروناي، بورما، فتنام، لاوس وكمبوديا.

4. السوق المشتركة لدول أميركا الجنوبية: تأسست هذه السوق عام 1991، بدأت بإنشاء اتحاد جمركي بين الأرجنتين والبرازيل والباراغواي والأوروغواي، وفي عام 1996 انضمت كل من بوليفيا وتشيلي إلى هذه السوق.

 ) UMA اتحاد المغرب العربي (    5.

تأسس هذا الاتحاد عام 1989 من خلال توقيع اتفاقية مراكش والتي ضمت دول المغرب العربي الخمسة: المغرب والجزائر وتونس وليبيا موريتانا، والتي كان من ضمن أهدافها إقامة اتحاد جمركي (1995)، وإنشاء سوق مشتركة مغاربية (2002).

(BAFTA 6. منطقة التجارة الحرّة لدول البلطيق (

هذه المنطقة قائمة على اتفاقية تجارة حرّة وتضم كل من إستونيا، لاتفيا وليتوانيا.

(CIS)   7. كومنولث الدول المستقلة

هي عبارة عن اتفاقية تجارة حرّة بين الدول التالية: أذربيجان، أرمينيا، بيلاروسيا، جورجيا، كزاخستان، روسيا، أوكرانيا، أزباكستان، طاجاكستان وجمهورية الكيركيز.  

EFTA المجموعة الأوروبية للتجارة الحرّة 8.  

هي اتفاقية تجارة حرّة تضم كل من الدول التالية: أيسلندا، لآينشتاين، النرويج وسويسرا.

 EAEC  9.الجماعة الاقتصادية الأورو-آسيوية  

هي عبارة عن اتحاد جمركي بين الدول التالية: بيلاروسيا، كازخستان، كيركيز، روسيا وطاجكستان.

BRICS 10.مجموعة الـ (بريكس)-

مجموعة الـ (بريكس) هي عبارة عن تكتل اقتصادي عالمي حديث، تأسس في سبتمبر/أيلول 2006، ويضم 5 دول تُعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي: البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا. يسعى هذا التكتل إلى كسر هيمنة الغرب على الاقتصاد العالمي. وقد أصبحت مجموعة بريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، نظرا لأرقام النمو التي باتت تحققها دول هذا التكتل، مما جعلها محط اهتمام وجذب لعديد من الدول الأخرى، التي ما فتئت ترغب في الانضمام إلى التكتل مثل الجزائر على سبيل المثال لا الحصر.

على الصعيد العربي، فإن تجربة تأسيس تكتل اقتصادي  عربي قومي موحد لم تنجح لأسباب ذاتية وموضوعية، رغم توفر كل الشروط والمقومات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية والموارد المالية والخبرات الفنية التي حتما” لو تمت أو نجحت لكانت من أقوى الكيانات الاقتصادية عربيا” وإقليميا” ودوليا” فيما لو توفرت  الإرادة السياسية لذلك، ولكن بسبب عدم التوافق السياسي بين الأنظمة العربية من جانب ، ومن جانب آخر، وقوع المنطقة العربية على بركان نار، حيث لم تنعم منذ عقود طويلة بالاستقرار بسبب الحروب والتدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة والتي منعت وأعاقت عمدا” نشوء أي حالات وحدوية أو حتى تكتلات اقتصادية بالحد الأدنى، فالعديد من الدول العربية قابعة تحت احتلالات ( أميركية، إسرائيلية ، روسيا وإيرانية…) التي استهلكت واستنزفت موارد  وطاقات هذه البلدان  وسرقت ثرواتها، (احتلال العراق على سبيل المثال لا الحصر)،  كلها أسباب أعاقت نجاح إنشاء تكتل اقتصادي على المستوى القومي، باستثناء تجربة دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت بدايتها بإنشاء منطقة التجارة الحرّة في عام 1981، ثم تطورت إلى مرحلة الاتحاد الجمركي عام 1993، ولكن ورغم هذا الإنجاز أو النجاح النسبي، جاء التقرير الاقتصادي الخليجي (2005-2006) ليؤكد ضعف مؤشرات التكامل التجاري الكامل وانخفاض مستوى التجارة بين الدول الخليجية، نتيجة ارتفاع الطلب على السلع المستوردة وضعف التوزيع الإنتاجي في دول المجلس، جعلتها تتجه نحو الأسواق الخارجية، مما أدى إلى استثمار جزء كبير من رأس المال الخليجي في أسواق الخارج. ولا يتسع المجال في هذا المقال لذكر كل أسباب وتداعيات فشل تجربة التكتلات الاقتصادية في المنطقة العربية.

في المحصلة، إن وجود التكتلات الاقتصادية الدولية أصبح ضرورة مُلّحة نتيجة تعرّض الاقتصاد العالمي لنكسات وتراجعات وأزمات كبيرة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر الفقر والتغيّرات المناخية التي استدعت استضافة العاصمة الفرنسية باريس لمؤتمر قمة في 22 و23و24 حزيران/يونيو والذي حضره 40 دولة من أجل وضع “ميثاق مالي عالمي جديد” لمواجهة تبعات التغيّرات المناخية ومكافحة الفقر. ولكن القمة لم تنجح في تحقيق أهدافها سوى ببعض المبادرات تجاه الدول الفقيرة.  ناهيك عن تداعيات جائحة كورونا، والحرب الروسية -الأوكرانية التي ستفاقم من معدل التضخم العالمي بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف الطاقة العالمية والمعادن والحبوب التي تُسهم بشكل أساسي في انتاج السلع والخدمات العالمية، إضافة إلى مفاقمتها أزمة سلاسل التوريد (وقد تطرقنا في مقال سابق بشكل مفصل عن تداعيات هذه الحرب على الاقتصاد العالمي). 

وفي السياق ذاته وتأكيدا” على ما ذُكر أعلاه، أشار تقرير للبنك الدولي تاريخ 6/6/2023 إلى ” أن الصدمات المتداخلة المتمثلة في جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا والتباطؤ الحاد في ظل التشدد في الشروط المالية العالمية قد أدت إلى انتكاسة طويلة الأمد لجهود التنمية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وهو أمر قد يستمر في المستقبل المنظور. ولذلك من المتوقع أن يقلُ النشاط الاقتصادي في هذه الاقتصادات بنهاية عام 2024 بنحو 5% عن المستويات المتوقعة قبيل تفشي الجائحة”.

ختاما”، لا من التأكيد على حقيقة أن العالم اليوم أصبح محكوما” بمكونات اقتصادية ضخمة تتحكم بمفاصل النظام المالي العالمي، وكل منها يعمل على الهيمنة والامساك بهذا النظام، حيث أمست هذه التكتلات بوابة العبور لتغيير المعالم المالية والتجارية على الصعيد المالي العالمي، وإن الأهداف المشتركة لجميع التكتلات هي الحصول على مزايا اقتصادية أكبر مقارنة بما كانت تحصل عليه عندما كانت خارج التكتل. فضلا عن سعيها لحماية إنتاجها المحلي من المنافسة الأجنبية في ظل العولمة وفتح الأسواق، وعليه أصبحت مسألة الانضمام إلى التكتلات الإقليمية أمرا” حتميا”، فلم يعد هناك أي مجال للنجاح في تحقيق أهداف التنمية أو الدفاع عن المصالح الوطنية إذا بقي اقتصاد البلد منفرداً، بعد أن أصبح شعار التعامل الاقتصادي الدولي” أن البقاء لمن هو أقوى وأكثر كفاءة ومنافسة”.

يبقى السؤال، كيف سيكون مستقبل العالم في ظل هذه المتغيرات الاقتصادية والتحديات التي ستواجه هذه التكتلات الضخمة المترافقة مع متغيرات جيو-سياسية والتي ممكن أن تغيّر خريطة العالم؟؟؟ 

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الإسكندنافية

12/7/2023

المصادر:

  1. https://arab-ency.com.sy/law/details/25973/2
  2. https://almerja.com/reading.php?idm=108939
  3. https://www.marefa.org/الاتحاد الأوروبي 
  4. https://www.annajah.net/%  التكتلات-الاقتصادية-العالمية-وتأثيرها-في-الاقتصاد
  5. https://araa.sa/index.php?view=article&id=1192:2014-07-04-23-15-20&Itemid=172&option=com_content
  6. https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=173879
  7. https://ar.wikipedia.org/wiki
  8. https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2023/06/06/global-economy-on-precarious-footing-amid-high-interest-rates.print
Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button