الأمم المضطهدةالعالمتقارير

اليوم العالمي للتعليم (الجزء الأول)

 تحديات التعليم في ظل الوباء والنزاعات والفساد

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية

24/1/ 2022

إن التعليم حق من حقوق الإنسان الأساسية والنواة الأولى في بناء شخصية الإنسان والركيزة الأساسية لنهضة الشعوب، والسلاح الأهم للأمم الذي يجب الاهتمام به لمحاربة آفات الجهل والتخلف والأمية، لأن هذه الظواهر تشكل أكبر المخاطر التي تهدد  الإنسانية على كافة المستويات. وإن عدم الاهتمام بالتعليم يُعرّض المجتمعات لعواقب وخيمة. فعندما ينتشر الجهل والتخلف في المجتمع، تنتشر معه الجريمة  والفقر والبطالة والفساد  وغيرها من الظواهر المدمرة للفرد والمجتمع على حدٍ سواء.  لذا، إن الإستثمار في هذا القطاع وبجودته وملاءمته مع متطلبات المجتمع يمثل إحدى الروافد الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أنه الرأسمال الإنساني/البشري  الذي يمثل أهم عوامل التنمية المستدامة. 

 التعليم في المواثيق الدولية

إن حق التعليم منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) ، حيث تنص المادة ( 26)  على أن:

1-لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم، ويجب أن يُوفَّر مجَّانًا على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعاً لكفاءتهم.
2-يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يجب أن يعزِّز التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم، وأن يؤيِّد الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة لحفظ السلام.
3-للآباء، على سبيل الأولوية، حقُّ اختيار نوع التعليم الذي يُعطى لأولادهم.

كما يقع هذا الحق في لبّ تفويض منظمة اليونيسكو وفي العديد من الصكوك الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وهدف من أهداف خطة عام 2030 للتنمية المستدامة (الهدف 4).  حتى الشرائع السماوية حثّت على أهمية التعليم، فإن أول آية أُنزلت في القرآن الكريم هي “إقرأ باسم ربك الذي خلق“.

 قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 73/25  حول اليوم العالمي للتعليم

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 3 كانون أول/ديسمبر 2018،  قراراً أعلنت فيه يوم 24 يناير يوما دولياً للتعليم في إطار الاحتفال بالتعليم من أجل السلام والتنمية. وأظهر اعتماد القرار 73/25 “اليوم الدولي للتعليم”، الإرادة السياسية الراسخة لدعم الإجراءات لإحداث التغيير من أجل التعليم الشامل والعادل والجيد للجميع..

وبذلك، أعاد المجتمع الدولي التأكيد على أن التعليم يضطلع بدور أساسي في بناء مجتمعات مستدامة ومرنة، فضلا عن أنه يساهم في تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة الأخرى.

ودعا القرار جميع أصحاب المصلحة — بما في ذلك الدول الأعضاء، ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة، والمجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الأكاديمية، والقطاع الخاص واﻷﻓﺮاد وﻏﻴﺮهم ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﻌﻨﻴﻴﻦ — إلى مراقبة اﻟﻴﻮم اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ لتعزيز التعاون الدولي في دعم الجهود الرامية إلى تحقيق الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة الذي ينص على “ضمان التعليم الجيد والمُنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع.” حيث من خلال التعليم يُمكن التخلص من الفقر والجهل والأمية وبناء مجتمع صاعد على كافة الأوجه. وقد سُجل في العقد الماضي إحراز كبير  باتجاه الحصول على التعليم ولا سيما للفتيات، ولكن رغم ذلك فإن حوالي 260 مليون طفل كانوا لا يزالون خارج المدرسة في عام 2018، وهم يشكلون ما يقارب خمس سكان العالم في هذه الفئة العمرية ، إضافة إلى ذلك، فإن أكثر من نصف الأطفال والمراهقين حول العالم لا يتوفر لهم الحد الأدنى من معايير الكفاءة في القراءة والرياضيات حسب ما أوردته تقارير الأمم المتحدة.

وفي تقرير للبنك الدولي يوضح أنه وفقاً للبيانات المجمعة حديثاً، “فإن 53% من كل الأطفال في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لا يمكنهم  قراءة وفهم قصة قصيرة بحلول الوقت الذي ينهون فيه دراستهم الإبتدائية.  ويُعتبر هذا المعدل المرتفع من “فقر التعلم” تحذيراً مبكراً من الخطر المحدق بجميع غايات الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة”. وحتى إذا نجحت البلدان في الحد من فقر التعلم بالمعدلات الأسرع في العقود الأخيرة، فلن يتسنى تحقيق هدف “إلمام جميع الأطفال بالقراءة” بحلول عام 2030 حسب تقديرات المنظمات الدولية.

أي تحديات يواجهها قطاع التعليم على مستوى العالم؟

يواجه قطاع التعليم تحديات كبيرة  خاصة في الأعوام الأخيرة، بدءاً من جائحة كورونا التي اجتاجت العالم، إلى النزاعات والحروب التي شهدتها العديد من الدول خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، إلى سياسة الفساد التي تنتهجها العديد من حكومات العالم، وضعف التمويل ، والكوارث الطبيعية ….

1) تداعيات جائحة كورونا على قطاع التعليم

مع انتشار جائحة كوفيد-19  مطلع عام 2020 في جميع أنحاء العالم، أعلنت غالبية الدول عن الإغلاق المؤقت للمدارس، مما ترك أثره على أكثر من 91% من الطلاب حول العالم. وبحلول شهر نيسان/أبريل 2020، بات ما يُقارب 6.1 مليار طفل وشاب خارج المدارس. وكان على 369 مليون طفل يعتمدون على الوجبات المدرسية، أن يبحثوا عن مصادر أخرى لغذائهم اليومي. فقد تركت هذه الجائحة عواقب وخيمة على قطاع التعليم،  خاصة بين الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً.

وفي محاولة لتعزيز التعاون الدولي وضمان عدم توقف التعليم ولضمان استمراريته، أطلقت اليونسكو في آذار/مارس 2020 “تحالف كوفيد -19 العالمي للتعليم”، وهو عبارة عن شراكة متعددة القطاعات بين أسرة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والشركاء في مجال تكنولوجيا المعلومات، بهدف تصميم ونشر حلول مبتكرة تساعد هذه الجهات مجتمعة الدول على معالجة فجوات المحتوى والاتصال، وتسهل فرص التعليم الشامل للأطفال والشباب خلال هذه الفترة من الإضطراب التعليمي المُفاجىء وغير المسبوق.  هذا التحالف  يهدف إلى:

-مساعدة الدول في تعبئة الموارد وتنفيذ حلول مبتكرة ومناسبة للسياق لتوفير التعليم عن بعد، والإستفادة من نهج التقنية الفائقة والتقنية المنخفضة وغياب التقنية،

-البحث عن حلول عادلة ونفاذ عالمي،

-ضمان استجابات منسقة وتجنب تداخل الجهود،

-تسهيل عودة الطلاب إلى المدرسة عند إعادة فتحها لتجنب معدلات التسرب، كما قامت منظمة اليونيسف بتوسيع عملها في 145 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل لدعم الحكومات وشركاء التعليم في وضع خطط للإستجابة السريعة على نطاق المنظومة، بما في ذلك برامج التعلم البديلة ودعم الصحة النفسية.

2) التعليم في ظل النزاعات 

في ظل الحروب والنزاعات تكون المدارس أكثر المؤسسات تضرراً ، إذ تنتهك الأطراف المتحاربة إحدى أهم القواعد الأساسية للحرب: تجنب قصف المدارس وحماية الأطفال. وبات طول الفترة الزمنية للنزاعات الحالية تؤثر على مستقبل أجيال بأسرها ، حيث من دون إمكانية الحصول على التعليم، سينشأ جيل من الأطفال يعيشون في أوضاع النزاعات دون أن يكتسبوا المهارات التي يحتاجونها ليساهموا في بناء بلدانهم واقتصاداتها، مما يفاقم الأوضاع الصعبة والفظيعة أصلاً التي يعاني منها ملايين الأطفال وأسرهم. وفي ظل هذه الظروف، أصبح التعليم أكثر خطورة، ففي عام 2020، كان هناك 535 هجوما تم التحقق منه على المدارس – بزيادة قدرها 17 في المائة مقارنة بعام 2019 حسب تقارير اليونيسف. 

ولإنقاذ مستقبل الأطفال التعليمي ولضمان حقهم في الحصول على التعليم في مناطق النزاعات وحمايته، أُطلقت مبادرة “المدارس الآمنة” كخطوة لكسر حلقة الأزمة المتعلقة بحماية الأطفال وضمان استمرارية عملية التعليم.

هذه المبادرة هي عبارة عن تعهّد سياسي بين الحكومات يمنح الدول فرصة للتعبير عن دعم حماية الطلاب والمعلمين والمدارس والجامعات في أوقات النزاع المسلح، وتأييد أهمية استمرار التعليم أثناء النزاعات المسلحة، وتنفيذ تدابير ملموسة للحيلولة دون الاستخدام العسكري للمدارس. وتوفر “المدارس الآمنة” معلومات كفيلة بإنقاذ الحياة، وتخفف من الضرر النفسي جراء الحرب،  كما يمكنها حماية الأطفال من التعرض للإتجار، والعنف الجنسي، والتجنيد من قِبل الجماعات المسلحة. لذا من الممكن أن توفر هذه المبادرة مساحة آمنة للتعلم، مع ما تمنحه من إحساس بالحياة الطبيعة والهدوء في فوضى الحرب.

وقد أُعد الإعلان عن مبادرة “المدارس الآمنة” عن طريق سلسلة مشاورات مع الدول في عملية قادتها النرويج والأرجنتين في جنيف مطلع عام 2015، وفُتح المجال للتصديق  عليها في مؤتمر أوسلو في 29 آيار/مايو 2015 حيث صادق 111 دولة على هذه المبادرة.

3)الفساد 

تنتشر ظاهرة الفساد في معظم دول العالم حيث اصبحت معضلة كبيرة وآفة تنخر بنية المجتمعات مسببةً الضعف والوهن والتراجع في كل المجالات ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية .. )، وقطاع التعليم لم يكن بمنأى عن هذه الآفة التي نخرت الجسد التربوي/التعليمي حتى تهالك  وتراجعت جودته وسمعته في العديد من بلدان العالم. 

 فعندما يقع قطاع التعليم ومؤسساته والقائمون عليه في براثن الكلِبتوقراطية، يختلّ الدور الذي يقوم به التعليم في تنمية القدرات والمهارات المختلفة المُفترض أن يشكلها. كما  إن تغلغل الفساد في هذا القطاع يُعطل قدرات المجتمع في تحقيق التنمية والتقدم في عالم شديد التنافسية، خاصة في مجال العلم والمعرفة والقدرات الاقتصادية. لذا إن فساد التعليم يعني هشاشة الحصيلة التعليمية في كل جوانبها (العقلية والبدنية والاخلاقية)، ولكن الجانب الأخطر والأكثر تدميراً لهذا الرأسمال الإنساني، أنه عندما يصيب الفساد ممارسات المنظومة ومؤسساتها والعاملين فيها،  يفقد التعليم دوره في تنمية الجوانب الإخلاقية، ويصبح هو نفسه مفرخةٌ للفساد.

4) ضعف التمويل ، إن عدم إيلاء الأولوية لهذا القطاع الحيوي والأساسي بعدم تخصيص ميزانيات تلبي المتطلبات التعليمية بكل أقسامها، يؤخر عملية تطوير العملية التعليمية والتي ستنعكس حتماً بشكل سلبي على عملية النمو والنهوض.

5)الكوارث الطبيعية 

تسبب الكوارث الطبيعية في مختلف العالم ( زلازل، إعصارات، فياضانات، حرائق وغيرها) آثاراً كبيرة ومدمرة على قطاع التعليم، فعلى صعيد المثال لا الحصر، دمر إعصار هايات في الفيليبن أكثر من 2500 مدرسة وأثر على 1.4 مليون طفل عام 2013. كما أثرت الفياضانات في ملاوي على المئات من الدارس، وعطلت الدراسة لأكثر 350.000 طفل. 

خلاصةً، إن إيلاء الإهتمام بالتعليم الجيد يعني استمرار التعلم واكتساب المعرفة والخبرات وتنمية القدرات والمهارات النفسية والأخلاقية مترافقاً مع الخبرات العملية الحياتية، الذي بدوره يحدد فرصته في تنمية ونهضة المجتمع ويحد من التحديات التي ذكرت أعلاه. كما إن القضاء على فقر التعلم باعتباره هدفاً إنمائياً لا يقل الحاحاً عن القضاء على الجوع والفقر المدقع، وهذا يتطلب من كل الأطراف الفاعلة اتخاذ إجراءات أكثر قوة وفاعلية لتحقيق هذا الهدف الذي سينحو بالمجتمع إلى الأمام، ويرقى بالبلاد إلى مستويات علمية راقية تلبي شروط التنمية المستدامة، وكما وصف الشاعر معروف الرصافي أهمية التعليم:

فكل بلاد جادها العلم، أزهرت رُباها وصارت تُزهر العزّ لا العُشبا ! 

*للموضوع تتمة في الجزء الثاني الذي سيتناول ” واقع التعليم في المنطقة العربية”.

مصادر

1.https://www.un.org/sustainabledevelopment/ar/education/.

2. https://www.unicef.org/ar/

3. https://ssd.protectingeducation.org/

4. https://www.elwatannews.com/news/details/4961825 د.أحمد صقر عاشور

5. https://www.albankaldawli.org/ar/topic/education/overview#1

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button