الأردنالإمارات العربية المتحدةالعراقحقوق الإنسانفلسطينلجنة المرأةمصر

جائحة قتل النساء الصامتة، عدوى سارية على مساحة الوطن العربي

وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ !

جائحة قتل النساء الصامتة، عدوى سارية على مساحة

الوطن العربي

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية

20/8/2022

المرأة العربية يُستباح دمها بغياب القوانين الرادعة

يكاد لا يمر يوم  دون أن نُصدم بوقوع جريمة قتل  بطريقة همجية لشابة أو سيدة بأبشع الوسائل التي يندى لها الجبين والتي كان آخرها الضحية الشابة هنا خضر ذات ( 21 عاما”) ، التي أحرقها زوجها وهي حامل في الشهر الخامس، والحروق هي من الدرجة الثالثة البالغة الخطورة والتي كانت سبب وفاتها. هَنا خضر (لبنان)  ليست أولى الضحايا ولن تكون الأخيرة  فسبقها العديد من جرائم القتل المتعمد والمقصود في لبنان، ولتسري عدواها من جرائم قتل النساء في العديد من الدول العربية ، حيث شهد حزيران/يونيو 2022 الدامي جرائم قتل مريعة لنساء وشابات جامعيات عربييات ، قُتلن بشكل انتقامي وحشي في حوادث متتالية إمّا على يد شريك عنيف أو على يد غرباء رفضنّ الارتباط بهم. والضحيات اللاتي بُلغ عن مقتلهن:

1.نيّرة أشرف ( مصر)، ابنة لـ 21 ربيعاً، طالبة جامعية قُتلت على يد طالب في كليّة الآداب بجامعة المنصورة، لرفضها الزواج من الجاني.

2.إيمان أرشيد (الأردن)، أيضا طالبة جامعية، قسم التمريض في ريعان الشباب، قُتلت برصاص إحدى الشبان في إحدى الجامعات الخاصة في الأردن. انتحر لاحقاً الجاني بعد ملاحقة الشرطة له.

3.لبنى منصور ، مهندسة فلسطينية مقيمة في الإمارات، قُتلت بطريقة وحشية على يد زوجها بأكثر من عشر طعنات مزّقت جسدها. وسبب القتل رفع الضحية دعوى ضدّ زوجها بسبب تعنيفه المستمر لها.

4.شيماء جمال ( مصر)، إعلامية مصرية ، قُتلت على يد زوجها وهو قاضٍ. والسبب نشوب خلاف بين شيماء وزوجها بعدما هددته بإخبار زوجته الأولى عن زواجهما السري، فاستدرجها إلى المزرعة حيث قتلها ودفن جثتها، حسب ما تداولته وسائل إعلام مصرية.

5.سلمى بهجت (مصر) طالبة الإعلام في جامعة الشروق والتي قتلت بـ 17 طعة على يد زميلها في الكلية بسبب رفضها الإرتيالط به. 

هذه عينات قليلة وغيض من فيض لهذا النوع من الجرائم، حيث أن الكثير والكثير  من جرائم قتل النساء التي تحدث، تبقى قيد الكتمان ولا يُبلغ عنها لأن معظمها يندرج تحت  عنوان (جريمة الشرف)، حيث ينجو القاتل من فعلته، كون القتل مُباح عند اكتشاف جريمة شرف وكأن الرجل أُعطي تفويض مجتمعي للقيام بهذا العمل الإجرامي ” صونا” لشرف العائلة ” في مجتمع يخلو من معايير تقييم مفهزم الشرف. وبهذه الحال تُقتل المرأة مرتين، مرة بتشويه سمعتها لتبرير القتل، ومرة في إنهاء حياتها عملياً . والقاتل غالبا” هو الشريك وأحيانا” االأب أو الأخ.  والتقارير الدولية التي تصدر بشأن هذه الجرائم لا تعطي الأرقام الواقعية والصحية بسبب ضحالة الإحصائيات الناتجة عن التكتم حول هذا الموضوع.

يقتل ومن ثم يتأكد !

إن معظم جرائم القتل التي تُرتكب بذريعة حماية الشرف تتم بمجرد الشك، ومن دون أي تأكيد إن كانت الضحية ارتكبت فعلا الأمر الذي عوقبت لأجله. وأغلب اللواتي قتلن بهذه الذريعة بيّن الفحص الشرعي لاحقا أنهن كن عذراوات.

ففي سبتمبر/ أيلول عام 2018 وجدت مراهقة عمرها 16 عاما مقتولة بطلقة في الرأس بقرب بلدة المزرعة غرب مدينة السويداء السورية، حين تلّقى الوالد اتصالا” من المدرسة يفيد بتغيّب الفتاة عن المدرسة، فركب سيارته وذهب للبحث عنها، فوجدها تتسكع مع زميلة لها في السوق، فطلب منها أن تركب معه السيارة، وفي الطريق أنزلها في مكان خال، وأطلق عليها النار، وتركها وعاد إلى البيت. ولاحقا” بين التحقيق ان الفتاة عذراء ولم تكن على علاقة بأحد، وأن غيابها عن المدرسة لم يكن أكثر من نوع من الشقاوة ورغبة في الهرب من الدروس.

ولا تزال حاضرة في الوجدان جريمة قتل الشابة الفلسطينية إسراء غريب على يد ثلاثة من أفراد عائلتها لمجرد أنها نشرت صورا شخصية لها مع خطيبها. 

وغالبا ما تتسم جرائم قتل النساء بذريعة الشرف بعنف ووحشية صادمين، مثل جريمة قتل الأردنية أحلام، التي هربت من عنف والدها إلى الشارع فلحق بها وضربها بطوبة على رأسها، ثم أحضر كرسيا وشرب الشاي بقرب جثتها النازفة.

ولا ننسى اليمنيتين مآب وسميحة الأسدي، والكويتية هاجر العاصي، وآلاف الفتيات والنساء، اللواتي يقتلن من دون أن يدري بهن أحد، ولا تنقل وسائل الإعلام سوى أخبار بعض الحالات فقط.

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن جرائم القتل بذريعة الشرف “قد تكون وسيلة للتخلص من النساء لأسباب أخرى، من أبرزها الميراث، كأن يقتل العم إبنة أخيه مثلا بذريعة حماية الشرف، بينما السبب هو رغبته بالتخلص منها كشريك في الميراث”.

تقول المحامية عزة سليمان، وهي رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية ،”الناس لا يتدخلون حين يتعلق الأمر بما يسمى جريمة شرف، لأنهم يعتقدون بأن النساء ملكية خاصة للرجال وللعائلة، وهناك استباحة وتواطؤ مجتمعي عنفي مع هذه الفكرة”. وغالبا ما يكون القتل “دفاعا “عن الشرف” مصير المرأة وحدها، في حين يتابع شريكها المفترض، حياته من دون عقاب يذكر، حتى إن كان قد اعتدى عليها.

وتعتبر المحامية سليمان  أن “القتل بذريعة الدفاع عن الشرف محمي مجتمعيا وقانونيا،  مثال على ذلك،  تعطي المادة 17 من القانون المصري القاضي الحق في تخفيف الحكم، وتخفيض مستوى الجريمة إلى جنحة“. وتضيف  “أنه في إحدى القضايا قال القاضي إن المجني عليها خرجت عن العادات والتقاليد”.

وترى سليمان أن “السلطات الحاكمة تعزز ثقافة القتل بدافع الشرف، ولا تحاربها، لذلك يجب بحث قضايا قتل النساء ضمن منظومة متكاملة ثقافيا وقانونيا. كما أن القضاة يكونون أحيانا أبناء بيئاتهم، لذلك ننادي بتدريب حقوقي وجندري وبالالتزام بالاتفاقيات الدولية”.

هذا وتمنح القوانين في معظم الدول العربية عقوبات مخففة لمرتكب الجريمة ولا تتعدى العقوبة سنوات قليلة أو أشهر فقط من السجن.

وتنسحب “المحاباة” القانونية لمرتكبي جرائم الشرف على معظم الدول العربية، فالقانون الأردني مثلا ينص على  أن “لا تتجاوز مدة العقوبة ثلاث سنوات ولا تقل عن سنة واحدة”. أما في سوريا فتنص المادة 548 على الحبس من 5 إلى 7 سنوات.

لماذا تُقتل النساء بدماء بارد؟ وهل مُنح الرجل تفويض مجتمعي للإقتصاص من روح إنسان حرّم الله قتلها بغير حق؟

مما لا شك فيه  أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في مجتمعنا العربي متباينة في بعض الجوانب من مجتمع لآخر، ولكنها كل منها لديها منظومة عنف بأشكال متعددة، والمرأة/الفتاة هي دائما” الضحية. وهذه الجرائم مرتبطة بصورة أساسية بالفهم القائم بمسألة النوع الاجتماعي وخلفيات هذا الفهم، بحيث يتم تجريم المرأة بأدلة أو بغير أدلة.   والأمر الذي يشجع  الجناة على ارتكاب هذه الجرائم هو غياب القوانين والتشريعات الرادعة بحق كل من تسول له نفسه بارتكاب مثل هذه الجرائم، إضافة إلى عدم  توافر الجرأة لدى النساء للإعتراض أو الإبلاغ عن هذه الجرائم بحكم الإنصياع للعادات والتقاليد  السارية خاصة في المناطق النائية التي لا زالت تؤله المجتمع الذكوري وتفخر به بغض النظر عن التبعات القانونية لهذه الجرائم.

كما يُعتبر قتل النساء على خلفيات اجتماعية أحد أبرز أشكال التمييز وانتهاك حقوق الإنسان ضد المرأة بشكل خاص، فهي ظاهرة اجتماعية موجودة في معظم المجتمعات ومنها المجتمع العربي الذي تبنّى بغالبيته القوانين والاتفاقيات الدولية ، مثل اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة  “سيداو” والتي تم تبنيها عام 2009، إضافة إلى الموافقة وتبني مجمل المبادىء ومضامين الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضدّ المرأة. ورغم ذلك،  لم تلتزم هذه الدول بهذه الاتفاقيات والمبادىء المنصوص عليها، ناهيك عن أن قوانينها وتشريعاتها الوطنية لم تأخذ بعين الجدية المطلوبة خطورة هذه الظاهرة الهمجية،  حيث معظمها تتعامل مع هذه الجريمة كجنحة . بعض الدول العربية أقرّت بعض القوانين المتعلقة بحماية المرأة من العنف الأسري أو الزوجي أو العنف بشكل عام”، ولكنها لم تخفِ أن هناك عقبات تحول دون تطبيقها.

وهذا وتصل نسبة جرائم قتل النساء التي يرتكبها عشراؤهن إلى 38% من مجموع هذه الجرائم على مستوى العالم، حسب احصائيات منظمة الصحة العالمية. ولكن هذه النسبة تبقى  أقل من الواقع لأن جرائم قتل النساء غالبا” تبقى قيد الكتمان ولا يُبلغ عنها لأسباب اجتماعية تتعلق في مفهوم “الشرف”. لذا تُقدر النسب أعلى بكثير مما ذكر أعلاه.  

 في الختام،  إن القتل عمدا”  التي عرفتّه الأمم المتحدة بــ”الجائحة الصامتة” بوصفها وباء قاتلاً سريع الانتشار والفتك، وبرغم ذلك فهو مسكوت عنه”. هو أشدّ وأخطر أنواع العنف  الجسدي الذي يُمارس خاصة ضد الفتيات/النساء ويُشكل انتهاكا” فاضحا” لحقوق الإنسان حيث يؤدي معظم الأحيان إلى الوفاة، والذي يُرتكب بوسائل وأدوات شديدة الخطورة ، مثل  الطعن بآلة حادة، أو الحرق، أو عبر إطلاق النار  أو الضرب المبرح وغيرها …

وعلى الرغم من بعض الإهتمام الجزئي الذي بدأت تحظى به ظاهرة قتل النساء مؤخرا” من قِبل المجتمع والجهات المسؤولة، إلا أنه لا تزال تفتقر للتعامل الجدي المطلوب مع هذه الظاهرة الخطيرة. لا شك أن الثقافة المجتمعية والعادات والتقاليد تفرض تحديات جمّة في محاربة ظاهرة قتل النساء، إلا أن أيضاً هناك تقصير على المستوى السياسي، من خلال عدم تطبيق القوانين وعدم  تفعيل المسارات القضائية المتعلقة بهذا الموضوع. 

 والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا  تتفاقم هذه الظاهرة في المنطقة العربية،  ولماذا يتزايد هذا الكم الهائل من العنف الوحشي ضد المرأة ؟ وهل تكفي التنديدات في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ، وتقارير الجمعيات والمنظمات الحقوقية؟ 

 بالطبع لا! إذ لا بد من تطبيق قوانين صارمة تتطابق مع مبادىء حقوق الإنسان التي أقرتها ليس الإتفاقيات الأممية فحسب، بل الشرائع السماوية أيضا”. إضافة إلى أهمية توسيع بيكار نشر التوعية وخاصة في البيئات والمجتمعات الفقيرة وتحسين الظروف الاقتصادية والصحية والتعليمية في هذه المناطق، إضافة إلى سن قوانين وتشريعات صارمة ورادعة والأهم تطبيقها للحد من أو إيقاف هذه الجائحة الهمجية التي تقضّ ركائز المجتمع والنهوض من حالة الجهل والتخلف المرتبط بمفاهيم تتنافض مع القيم الإنسانية . والدور الأول يعود لوعي المرأة وجرأتها في كسر جدار الصمت وإعلاء  صوتها  صونا لحقها في الحياة!!

1.https://arabicpost.net/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA/2022/06/28/%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1/

2.https://www.bbc.com/arabic/middleeast-59314526

3. https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/violence-against-women

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button