Uncategorized

حرب المخدرات في العراق، أسبابها وعلاجها

عوامل وأسباب عديدة أدّت الى انتشار آفة المخدرات من بينها فساد الأجهزة الأمنية


*أ. د. عبدالسلام الطائي* 

 تناولنا في القسم الاول، المنشور قبل بضعة أيام، دور الاحتلال الأميركي/ الايراني في نشر المخدرات، واستباق ايران بقرون، لغيرها من دول العالم.

فمند القرنين 11-13 الميلادي استخدمت ايران سلاح المخدرات في حروبها ضد العرب المسلمين، وهو استباق تاريخي يسجل لها في استخدامها للاسلحة غير المشروعة، لكونها استبقت في استخدامه حرب الافيون الصينية/ البريطانية وحرب المخدرات المكسيكية الأميركية.(1)

فلا غرابة من أن يعاني العراق اليوم، من تدفق المخدرات من إيران عبر معابر الشلامجة والأهوار والمنذرية والمعابر الحدودية الأخرى، وأصبح انتشارها بين الشباب اكثر ضررا من انشطار القنبلة الذرية على المجتمع. (2)

وتشير الدراسات الاكاديمية لعلم الاجتماع، كما يؤكد بعضها رئيس اللجنة الحكومية المكلفة بمتابعة ملف المخدرات في جنوب العراق، تشير إلى وجود عوامل واسباب عديدة ادت الى انتشار آفة المخدرات من بينها فساد الأجهزة الأمنية، سحب بعض صلاحيات العاملين في مكافحة المخدرات، قلة الكادر الأمني المتخصص والدوريات ونقاد التفتيش على المدن الحدودية، قلة الكلاب البوليسية وأبراج مراقبة الحدود الدولية،حيث  نجم عن ذلك استغلال تجار المخدرات للحدود المفتوحة مع إيران لتهريبها.  (3)

بلا شك، يشكل نقص التقنيات اعلاه وعدم ايلائها اهتماماً خاصاً، يشكل مؤشراً على فقدان حكومات وبرلمانات ما بعد الاحتلال للشعور الوطني والضمير الجمعي. ولذلك سأعطي الاولوية لتلك العومل في دراستي هذه مقدماً الى الاسباب الاحتلالية على الاسباب الاجتماعية.

اولا: الأسباب الاحتلالية

سادت المخدرات في الشارع العراقي بكل أشكالها وأنواعها منذ احتلال العراق، حيث قام المحتل بتسهيل ترويجها والاتجار بها، وزراعتها، وتصنيعها، وكانت ايران داعمة أساسية وحاضنة لهذه الآفة ومروجيها، فهي تأتي من الدول التي تهيمن ايران عليها، لبنان وسوريا ومن سوريا الى العراق، ومن افغانستان الى ايران ومن ايران الى العراق. وهذا ما اعترفت به ايران قبل أسابيع، حينما أقر السفير الإيراني لدى العراق، إيرج مسجدي، في حديث متلفز بأن المخدرات تُهرب من بلاده إلى العراق”. (4)

تتحدد أهداف ايران من نشر المخدرات في إسقاط منظومة القيم الدينية الاخلاقية والوطنية، لدى المجتمع، ولتدمير عنصر الشباب، وجرّهم إلى عالم الجريمة بكافة أشكالها بما فيها الارهاب لتسهيل تحويل المتعاطين الى عناصر ارهابية تستخدمهم في التفجيرات بالاحزمة الناسفة، لغرض السيطرة على الدولة والمجتمع.

وتعد محافظات البصرة وميسان وذي قار والمثنى وواسط “سوقاً استثمارياً لمادة الكرستال التي تباع في معظم المقاهي الشعبية”. (5)

وبهذا الشان، اعلنت مديرية الأمن الوطني عن ضبط “شبكة كبيرة تتولى تهريب العملة والمخدرات مكتوب عليها باللغة الفارسية” ويعد معبر الشلامجة الحدودي بين محافظة البصرة العراقية والأحواز المحتلة ومعبر مهران بين محافظة واسط العراقية وكرمنشاه الإيرانية من المنافذ الرئيسة  للتهريب، علما ان تلك المعابر تحت حراسة الميليشيات الولائية الايرانية، التي ساعد وساهم حضورهما الأمني والاستخباري  في تهريبها. (6)

وزاد من عمليات تهريبها ايضا  قيام ايران بعمليات التهجير القسري لتنغيل الغلاف الديموغرافي للعراقين بالمستعرقين المسلحين قرب المنافذ الحدودية لتصبح تلك الجماعات المسلحة حرس حدود، بديلاً عن الجيش العراقي، لتقطنها الان اكثر الشعوب خطورة على الارهاب الدولي وتعاطي المخدرات نذكر منهم: الافغان والايرانيون والباكستانيون، الذين تسللوا عنوة الى العراق اثناء الزيارات وبدون اوراق ثبوتية ليصعب ترحيلهم وإعادتهم، آخذين بالاعتبار ان هؤلاء يشكلون اكثر الجنسيات خطورة في تنظيمي داعش والقاعدة. وبسببهم اصبحت محافظة ديالى ومنطقة جرف الصخر، والطارمية على قارعة الطريق، وغيرها مستعمرات ايرانية، اخذت تشكل ملاذًا لتجار المخدرات، لا تتمكن حتى الجهات الامنية المتخصصة بما فيهم وزير الدفاع والداخلية الدخول إليها.

ثانيا: الأسباب الاجتماعية

تفيد نظريات علم اجتماع الشواذ لتحليل السلوك السايكوباثي/ السياسي الشاذ، بأن لولا تغييب الوعي الاجتماعي بالمخدرات لما تحمل العراقيون اليوم السلوكيات الاجرامية السايكوباثية الشاذة للمرجعيات الولائية والسياسية في العراق.

وبدون المخدرات ايضا يستحيل  تفكيك التضامن والتماسك الأسري للمجتمع العراقي والدعوة الى زواج القاصرات والمتعة، التي زادت من حالات الطلاق، حتى اصبحت بعض المحاكم اليوم تستقبل حالات طلاق اكثر من إبرام عقود الزواج، سيما ان الادمان، واحد من الاسباب التي تؤدي الى التفريق القضائي.

نجم عن هذا وذاك، شيوع حالة اللاتجانس المجتمعي محل حالة التجانس المجتمعي، حيث كان العراق يوصف بتقارير الامم المتحدة بأنه (بلد بلا حشيش) وكانت طائرات الخطوط الجوية العراقية لا تدخل الى الصالات الحمراء في مطارات العالم.

وما تجدير الاشارة اليه، فإن وكالات التنشئة الاجتماعية، كالمدرسة والمؤسسات الدينية، الجامع والكنيسة، لها دور فاعل في بناء وقولبة الشخصية من جهة، وفي الحد من تنامي ظاهرة المخدرات ومخرجاتها الجنائية على الارهاب الدولي.

إذ إن اخطر ما يحصل في العراق اليوم ان المدارس وبعض دور العبادة الولائية اصبحت بؤراً  للمخدرات والاتجار بالاعضاء البشرية وتهريب العملة، فباتت ملاذاً امناً لهؤلاء السايكوباثيين.

غزو ايران لمناطق شمال العراق بالمخدرات

أصبح شمال العراق لا يختلف عن جنوبه ووسطه، فلم ينجو من القتل بالاسلحة الكاتمة للشباب بسلاح المخدرات. وبهذا الصدد “كشف يادكار حاجي، الباحث الاجتماعي في سجن اصلاح الكبار في محافظة السليمانية، الذي يضم محكومي المواد المخدرة، كشف ان قرب الحدود الإيرانية وسهولة التنقل الى أراضي الإقليم كانت سببا في انتشار المخدرات” وأن هذه الزيادة تزامنت ايضا مع قرار منع بيع الكحول الذي يصب لصالح  المخدرات الايرانية.(7)

وبيّن ايضا، أن النسب والارقام التي أعلنتها السلطات الامنية في السليمانية (الآسايش) تشمل تعاطي المواد المخدرة والاتجار بها داخل مركز المدينة فقط، اما إدارتا مناطق (كرميان ورابرين وحلبجة) والمناطق الاخرى ضمن حدود المحافظة فلديها ارقام ومعلومات خاصة بها، هذا فضلا عن محافظات أربيل ودهوك التي يجري الحديث فيها عن ارتفاع عدد المتعاطين”.

واشار المسؤول الأمني في السليمانية إلى تفشي تلك الحالات في محافظات شمال العراق الأخرى، وقال “لقد تم الاستيلاء على حقل للمواد المخدرة في حدود محافظة اربيل.”

زعيم تركماني، اكد ايضا، إن تجارة المخدرات مصدر رئيسي لتمويل أنشطة حزب العمال الكردستاني في العراق. (8)

ومن خلال المشاهدات الميدانية، شمال وجنوب ووسط العراق ظهر أن المتعاطين غالبيتهم كانوا من منخفضي التعليم، ومن أسر تعاني الجهل والأميّة. .(9)

ثالثا: اضطراب الوضع الامني

كان الضطراب الأمني في العراق سبباً في تشجيع شبكات تجارة المخدرات الدولية التوجه نحو هذا البلد كسوق جديد في قلب الشرق الأوسط. ويعلل هذا الاضطراب، بانه كان ناجما عن تفكيك مؤسسات الضبط الرسمية: أي، وازرتي الداخلية والدفاع والمؤسسات الامنية بعد الاحتلال الأميركي واستبدالها بمؤسسات ضبط حكومية وغير حكومية ولاؤها لغير العراق. نجم عنها اضطراب الامن الاجتماعي.

رابعا: وسائل الإعلام والاتصال

كان لوسائل الاعلام المتنوعة والمتعددة، المرئية منها والمسموعة والمقروءة، كان لها دور فاعل في مجال تشكيل الفكر وقولبة الشخصية الوطنية السوية قبل الاحتلال، والسايكوباثية بعد ذلك.

خامسا: أسباب اقتصادية

يمكن تسبيب الجريمة في احايين كثيرة بالفقر، لأن الفقر يؤدي الى الجريمة، والجريمة سببها الفقر، وفق النظرية السببية لعلم اجتماع الجريمة، ومما ويعزز ذلك سكن أغلب المتعاطين في مناطق فقيرة، كالمخيمات والعشوائيات، من بيوت الطين والصفيح.

كما نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا أشارت فيه إلى أن سجون مدينة البصرة تكتظ بالمدمنين ومهربي المخدرات من التجار الصغار وأفراد العصابات. (10)

وعليه “يشكل الوضع الاقتصادي المتردي سببا في لجوء بعض الأفراد بالتفكير في وسائل وطرق غير مشروعة للحصول على لقمة العيش بما فيها الترويج للمخدرات” فقطع الارزاق وعدم دفع رواتب الموظفين  والسياسة الاقصائية المتعمدة منذ الاحتلال في عام 2003 نجم عنها ارتفاع معدل خط الفقر، وبلغت البطالة نحو 35% حسب تقرير وزارة التخطيط، ناهيكم عن التهجير القسري  والعيش بالمخيمات والعشوائيات، التي تعتبر اوكاراً لجرائم المخدرات. (11)

وشكّل الشباب الغالبية العظمى من المتعاطين للمخدرات والمؤثرات العقلية، إذ بلغت نسبتهم (91.2%) من الموقوفين. وينتمي قرابة 38% من هؤلاء الشباب إلى أسر فقيرة، فيما يتوزع المتبقون منهم على أسر فوق خط الفقر بقليل 57%.(12)

سادسا: أسباب قانونية

صنّف المشرع العراقي، قبل الاحتلال، جرائم الاتجار بالمخدرات وتهريب العملة من جرائم تخريب الاقتصاد الوطني المخلة بالشرف، وعاقب مرتكبيها وكل من ساهم فيها بالإعدام او السجن المؤبد او المؤقت او الحبس، وبغرامة، وفق احكام قانون المخدرات رقم (68) لسنة 1965. (13)

خلال حقبة الاحتلال، منذ عام 2003، جرى إقرار قاعدة تخفيف العقوبة، حسبما ورد في المواد 28-31 و 33 من احكام قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017.

وكانت تلك المدخلات القانونية الجديدة سبباً في انتشار سلاح المخدرات، سيما بعد ان خففت عقوبة المخدرات من الإعدام والسجن المؤبد لتصل إلى السجن بين (5- 15) سنة، واحيانا تصل ثلاثة شهور للطبيب الذي أعطى وصفة طبية، لصرف مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية لغير العلاج الطبي.

والاسوأ من ذلك اجاز القانون الجديد ايضا استبدال العقوبات المخففة اعلاه احيانا، بالعلاج الصحي والنفسي، تاركاً القرار للسلطة التقديرية للقاضي، ومع ضرورة العلاج الصحي والنفسي إلا أن هذا الأمر ساعد ذوي النفوذ السياسي وكبار التجار على التملص من العقوبة المشددة والمخففة، ما ادى الى ارتفاع شديد في معدلات هذه الجريمة الدولية، وبهذا الشأن اشار مدير أحد السجون إلى وصول نسبة المسجونين بقضايا المخدرات الى  90% من النزلاء. (15)

مقترحات وقائية وعلاجية

  • على مجلس الوزراء التفكير وبجدية لمعالجة، معضلات البطالة والفقر والعشوائيات وعودة النازحين قسرا من المخيمات الى ديارهم، للحد من آفة المخدرات.

وبالنظر الى تقنيات منهج الاستقراء التجريبي الاستدلالي لوصف واقع ووقائع ظاهرة المخدرات، كما هي لا كما يراها الباحث، وجب علينا عرض نتائج مخرجات مدخلات عوامل واسباب هذه الآفة، للوصول الى تعميمات تصب في حقل المقترحات والتوصيات، للقضاء عليها. ولكي يكون استقرائنا التجريبي قابلا للتنفيذ، وجب القيام بتبويب المقترحات العلاجية حسب الجهات الرسمية وغير الرسمية المعنية بمكافحة المخدرات، على النحو الاتي:

اولا: الجهات الرسمية

على صعيد اجهزة الامن الداخلي والخارجي: القيام بما يلي:

  • ضبط المنافذ الحدودية المحاذية لايران والكويت بشريا وآليا والكترونيا للحيلولة دون دخول المواد المخدرة والمؤثرات العقلية.
  • تشكيل جهاز متخصص لمكافحة المخدرات على غرار مديرية مكافحة الارهاب لمراقبة المطارات والمنافذ الحدودية.
  • تطهير الاجهزة الامنية من المتعاطين والمروّجين.
  • تدريب الكوادر الامنية الداخلية والخارجية على تكنولوجيا مكافحة المخدرات وزيادة الدوريات في المدن الحدودية.
  • زيادة عدد الكلاب البوليسية المتخصصة.
  • تفعيل الجهات الرقابية في وزارات الصحة والعمل وغيرها.
  • يتوجب على وزارة العدل تشديد العقوبة بدل تخفيف احكامها المنصوص عليها باحكام قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50 لسنة
  • على وزارة التربية العودة الى تعيين الباحثين الاجتماعين والنفسانين بالمدارس وفق احكام قانون رعاية الاحداث رقم 76 لسنة 1983 لتشخيص المتعاطين من قبل مكتب دراسة الشخصية.
  • على وزارة الصحة تشديد الاجراءات على الاطباء الذين يصفون المواد المخدرة والمؤثرات العقلية لأسباب غير مشروعة.
  • افتتاح المستشفيات والمصحات النفسية لمعالجة المتعاطي والمدمنين.

ثانيا: الجهات غير الرسمية

اولا: العراقية

  • وهي تلك الجهات المتمثلة بمنظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون: الاسرة، الطفولة والمرأة، الشباب، الاديان، العشيرة، والمعنية بعمليات التنشئة الاسرية والاجتماعية.حيث يشكل الوازع الديني اهم عنصر من عناصر الضبط الاجتماعي غير الرسمي، في الردع الذاتي تجاه الظواهر الشاذة، بالتوازي مع الخطاب الاعلامي وبما يؤدي دورا فاعلا في تعزيز الضبط الاجتماعي الذاتي ضد ظاهر المخدرات، السايكوباثية، الشاذة.

ثانيا: العربية والدولية

  • وجوب التنسيق الحكومي مع المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي لمكافحة الجريمة والمخدرات للحد من هذه الآفة.
  • التعاون مع الجمعية العالمية للطب النفسي، لإجراء الكشف الطبي والنفسي على القادة السياسين، المدمنين والمتاجرين بالمخدرات، ممن تلطخت يدهم بدماء الابرياء.

المصادر والهوامش

  1. حرب المخدرات في العراقالقسم الأول – وجهات نظر
  2. Drug smuggling, abuse on the rise in Iraq – Al-Monitor: the Pulse of the Middle East (al-monitor.com) (2) 
  3. الدكتور خالد حنتوش، المخدرات في العراق، مركز البيان للدراسات والتخطيط، بغداد 2017.
  4. المخدرات في العراق – ملاحظات ميدانية في المحافظات الجنوبية | البيان(bayancenter.org
  5. عبدالقادر الجنابي،(net) جنوب العراق يعجّ بالمخدرات
  6. نفس المصدر
  7. Shuttering alcohol stores in Iraq benefits Iranian drug traffickers | Hammam Latif | AW (thearabweekly.com) 18/12/2020
  8. Drug trade major source of funding for PKK’s activities in Iraq, Turkmen leader says | Daily Sabah، Nov13:2019:
  9. المخدرات في العراق بالأرقام (annabaa.org)
  10. ،تجارة المخدرات وتعاطيها في العراق.. ما الذي تغيّر في أزمة كورناIrfaasawtak
  11. أ.د.عبدالسلام الطائي، ، العشوائيات والمخدرات، حديث لقناة الرافدين 27 شباط، 2021.
  12. المخدرات في العراق بالأرقام) (annabaa.org)
  13. الوقائع العراقية الرسمية بالعدد 3505 في 11/4/1994 وعدل بالقرار 135 في 2/11/1996 ، القرار 39 لسنة
  14. . مصدر سابق Irfaasawtak
  15. حصاد سومر – بالارقام.. احصائيات مرعبة عن عدد متعاطي المخدرات في العراق – سومر نيوز (sumer.news)  انظر ايضا، مجلس القضاء الاعلى (hjc.iq).
Show More

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button