الطفلالعالمبیانحقوق الإنسان

الإيغور والإبادة الصامتة

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الإسكندنافية

هناك شعوبٌ  وأقليات موزعة في بقاع الأرض تعيش مُغيبة عن المشهد المرئي، شعوبٌ تعاني القهر والإضطهاد والإبادة بصمت دون دراية العالم بها، شعوب تُنزع منها حقوقها بالقوة والترهيب والتعذيب دون رقيب أو حسيب،  شعوبٌ تُسَرق منها ثقافتها وعاداتها وتٌعرّى من هويتها. هي شعوب وقوميات متعددة الهويات والأديان والثقافات، شعوب تُنتهك حقوقها على مرأى من العالم، كالذي يتعرض له شعب الإيغور في الصين  . ففي فترة ليست ببعيدة سُلطت الأضواء على الإنتهاكات المروّعة وحملات  الإبادة التي  تمارسها السلطات الصينية بحق شعب الإيغور المسالم في إقليم “تركستان الشرقية” قبل أن تغير الصين لاحقا” إسمه إلى إقليم شينجيانغ. 

من هم الإيغور؟

الإيغور هم جماعة عرقية تركية مسلمة تعيش في شمال غرب الصين منذ قرون، وتنتمي عرقيا” وثقافيا” إلى المنطقة العامة لوسط وشرق آسيا. تُعتبر هذه الأقلية واحدة من بين 55 أقلية عرقية معترف بها رسميا” في الصين. وترفض الحكومة الصينية فكرة إعتبارهم من السكان الأصليين، ولا تعترف بهم إلا على أنهم أقلية إقليمية داخل حدود دولة متعددة الثقافات.  يعيش أغلبية الإيغور في إقليم شينجانغ، وهو أكبر إقليم في الصين من حيث المساحة وأقلها اكتظاظا” بالسكان في البلاد.

يعيش قرابة 10 ملايين  نسمة من الإيغور في إقليم شينجانغ، كما يعيش مئات الألوف منهم في البلدان المجاورة ، مثل كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان. تعتمد هذه المنطقة الغنية بالموارد الطبيعة على التجارة والزراعة، وكانت بلداتها بمثابة محطات توقف رئيسية على طول خط الحرير الشهير.

 شينجيانغ  تعني  باللغة الصينية “الحدود الجديدة”، وقد أصبحت تحت الحكم الصيني بعد أن فرضت أسرة تشينغ الحاكمة  سيطرتها على المنطقة في حملة عسكرية في القرن الثامن عاشر، وفي ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي شهدت المنطقة إعلان جمهوريتين لم تدوما طويلا” كانتا تطالبان بالإستقلال، لكن الصين استعادت السيطرة عليها بعد أن تولى الحزب الشيوعي السلطة عام 1949.

الإنتهاكات وحملات الإبادة التي يتعرض لها  شعب الإيغور

منذ سنين عديدة وطائفة الإيغور تتعرض للتميز من قِبل السلطات الصينية التي فرضت قيودا” واسعة النطاق على ممارسة ثقافتهم ودينهم.. كما شجعت الحكومة الملايين من طائفة الهان الصينية، ( أكبر طائفة عرقية في الصين) للإنتقال إلى إقليم شينجيانغ لتخفيف الكثافة السكانية للأغلبية الإيغورية . 

وقد أدى هذا التمييز ومحاولة التغيير الديمغرافي للإقيلم إلى احتجاجات ضد الحكومة الصينية.  وقد قامت السلطات المحلية في السنوات الأخيرة بتنظيم احتفالات عامة تُلزم فيها الأقليات العرقية بالتوقيع واالتعهد بولائها للحزب الشيوعي الصيني. وعلاة على ذلك، فإن الحكومة الصينية تحدّ بشكل صارم من قدرة الإيغور على الحصول على جوازات سفر، الأمر الذي يقيّد حرية تنقلهم ويجعل من الصعب عليهم التواصل مع الشعوب الأخرى في الخارج.

وقد بدأت منذ فترة ليست ببعيدة بعض المنظمات الدولة التي تُعنى بحقوق الإنسان تسليط الضوء على مآسي شعب الإيغور  والإضطهاد الذي يُمارس ضده من قبل السلطات الصينية التي رفضت كل التقارير الدولية التي اتهمتها بإنتهاك فاضح لحقوق الإنسان.

 *تُظهر وثيقة كتبها مجموعة من المحامين البارزين في دائرة محكمة إيسكس في لندن أدلة  على أن السلطات الصينية لديها نزوع إلى تدمير الأقلية المسلمة الواسعة الإنتشار في شمال غربي الصين. ويشمل ذلك إلحاق الأذى المتعمد بالإيغور عبر الإعتقالات وإجراءات  منع النساء من ولادة مواليد جدد ( وبضمنها الإعقام القسري للنساء والإجهاض)، ونقل أطفال الإيغور قسريا” بعيدا” عن مجتمعاتهم. وتؤكد الوثيقة القانونية تفاصيل مستفيضة لأدلة عما يمكن وصفها بعمليات ” استعباد وتعذيب واغتصاب وإعقام قسري واضطهاد” ضدّ الإيغور ، وتقول ” ثمة دليل قاطع على تعرض المعتقلين لمختلف أشكال الأذى الجسدي”.

وتُعد الإجراءات التي تهدف إلى منع الولادات الجديدة في مجموعة إنسانية ما، من بين النشاطات التي تُصنّف بوصفها إبادة في القانون الدولي. كما تشمل حملات الإبادة التي تمارسها السلطات الصينية أيضا” نقل الأطفال قسريا” من جماعة إلى أخرى، مجبرين الإبتعاد عن عوائلهم. ويشمل ذلك وضعهم قسريا” في دور للأيتام  عند إعتقال أحد الوالدين أو كلاهما، أو وضعهم في مدارس داخلية. ويُحرم  هؤلاء الأطفال من ممارسة طقوس وتقاليد ثقافة الإيغور، حتى أنهم غالبا” يُمنحون أسماء من أثنية الهان الصينية، أو يكونوا في بعض الأحيان عرضة لتبني عوائل من الهان، تعزز الأدلّة عن أن الإبعاد القسري يجري عن عمد لتدمير سكان الإيغور، بوصفهم جماعة أثنية.

*تقرير هيومن رايتس ووتش: “ الصين ترتكب خرقا” فظا” لحقوق الإيغور”.

  في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان لعام 2020 ، أظهرت منظمة هيومن رايتس ووتش الإنتهاكات المُرعبة التي يتعرض لها الإيغور من قِبل السلطات الصينية،   حيث جاء في التقرير أن الصين تهدد حقوق الإنسان الحيوية المعترف بها دوليا”. وأن  البلاد تمارس ” أقوى هجوم على النظام العالمي لحقوق الإنسان” منذ منتصف القرن العشرين. فالصين تتبع في تفريغ حقوق الإنسان من فحواه حسب التقرير من خلال اتباعاها استراتيجية واضحة:” كشريك تجاري جذاب وفي آن واحد بسط شبكة من الرقابة العالمية، وهذا مزيج متفجر، لأن الصين من جهة تربط شركاء غربيين وتمنع في آن واحد انتقاد التطورات في داخل البلاد شرقي آسيا”، لا سيما  في الشمال الغربي للصين ، منطقة شينجيانغ التي يتم خنق أقلية الإيغور المسلمة بالإعتقال و”إعادة التأهيل، حيث تستخدم الصين التكنولوجيا كوسيلة مركزية في قمعها. حيث عملت على استخدام كاميرات فيديو تتعرف على الوجوه ووموظفون يستخدمون تطبيقات الكترونية لجمع المعلومات، ويوجد نقاط تفتيش الكترونية.  وقد تم تعبئة مليون من موظفين وكوادر الحزب الشيوعي الصيني لزيارة العائلات  المسلمة بإنتظام والسكن عندها لبعض الوقت والإخبار عما إذا كانت عائلة مثلا” تصلي أو تمارس دينها بشكل مختلف.

*في آب/اغسطس 2018، أفادت لجنة حقوقية تابعة للأمم المتحدة بأن الصين تحتجز نحو مليون مسلم من الإيغور في معسكرات سريّة في شينجيانغ. وفي 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا” كشف وثائق حكومية صينية مُسربة، احتوت تفاصيل قمع بكين لمليون مسلم من الإيغور، ومسلمين آخرين في معسكرات اعتقال في الإقليم. كما أفادت تقارير بأن السلطات الصينية أمرت الإيغور بتسليم جمميع المصاحف وسجادات الصلاة أو غيرها من المتعلقات الدينية، وإلا سيواجهون “عقوبة”، وذلك ما أوردته صحيفة الأندبندنت البريطانية عن مصادر إيغورية عام 2017. وجاء ذلك ضمن قيود جديدة في إقليم شينجيانغ في إطار ما وصفته بكين بحملة ضدّ التطرف. وشملت الإجراءات منع إطلاق اللحى وارتداء النقاب في الأماكن العامة ومعاقبة من يرفض مشاهدة التلفزون الرسمي.

الإجراءات التي تم اتخاذها دوليا” لردع الصين عن  إرتكاب الإنتهاكات في حق شعب الإيغور

فرضت الولايات المتحدة الإميركية عقوبات على مسؤولين صينيين بموجب قانون ماغنتسكي ردا” على ما سمتها الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضدّ الأقليات العرقية والدينية في إقليم شينجيانغ. ويأتي القرار الأميركي بعد إعلان اتفاق بين الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي لفرض  عقوبات على بعض المسؤولين الصينيين على خلفية الإنتهاكات، شملت حظر دخول المسؤولين المستهدفين إلى دول الإتحاد، أو العبور في مطاراتها، وتجميد أصولهم ومواردهم في الإتحاد إن وجدت. وجاء رد الصين فوري بفرض عقوبات على 10 أوروبيين بالإضافة إلى 4 كيانات أوروبية على إعتبار أن العقوبات الأوروبية لا تستند إلى مسوغ قانون حسب المصادر الصينية، وفق ما نشرته الجزيرة نت  تاريخ 22/3/2021.

كما طالب البرلمان الكندي حكومته بإعتبار انتهاكات سلطات الصين ضدّ أقلية الإيغور المسلمة “إبادة جماعية”. كما نددت بريطانيا بالإنتهاكات، مطالبة الصين بالسماح للمحققين بالوصول إلى إقليم شينجيانغ. ولكن السلطات الصينية ترفض رفضا” قاطعا” أي تحقيق حول الإنتهاكات التي تعتبرها كاذبة.

إقليم شينجياتغ يُعتبر منطقة حيوية ومهمة من الناحية الإقتصادية والعسكرية للصين، فهو بوابتها الغربية التي تطل بها على القارة الآسيوية باعتبارها سوقا” تجاريا” رائجا”، كما تتخذه  منطقة عازلة تقيه الأخطار الخارجية، فجعلته منطقة عسكرية شبه مغلقة، وهذه إحدى الأسباب الرئيسية  لتمسك الصين بهذا الأقليم.

في المحصلة إن معاناة شعب الإيغور من سياسة الإضطهاد والقمع والإبادة  ليست الحالة الوحيدة في العالم، بل هناك دولا” وشعوبا” أخرى على مساحة العالم تعاني الأمرّين من جراء الإحتلالات وإنتهاك فاضح لحقوق الإنسان، منها  عربيا”على سبيل المثال  لا الحصر ، فلسطين والأحواز العربية المحتلتين من قِبل الكيان صهيو-فارسي الذي يمارس أبشع أنواع الإنتهاكات في حق شعبنا العربي في كلا القطرين، دون إغفال ما يمارسه النظام الفارسي الحاقد من تفتيت لمكونات بعض الدول العربية (العراق، اليمن ، سوريا ولبنان) بعد أن أتاحت له قوى الإستعمار العالمي ( الأميركي تحديدا”) الفرصة لزرع مخالبه  في الجسد العربي لتفكيكه.  ولا ننسى ما قام  به الإحتلال الأميركي من تدمير ممنهج للبشر والحجر متجاوزا” كل المعايير الإخلاقية والإنسانية بعد احتلاله العراق في ظل صمت المجتمع الدولي بكل مؤسساته ومنظماته الحقوقية التي في غالب الأحيان تكيل بمكالين، بسبب هيمنة قوى الإستعمار الأميركي-الصهيوني على قراراته.

مصادر:

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D9%8A%D8%BA%D9%88%D8

هيومن-رايتس-ووتش-الصين-ترتكب-خرقا-فظا-لحقوق-الإيغور/a-52001378

https://share.america.gov/ar/%D9%85%D9%8E%D9%86-%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%BA%D9%88%D8%B1%D8%9F

https://www.bbc.com/arabic/world-55987330

https://www.aljazeera.net/news/2021/3/22/%D9%88%D9%83%D8%A7%D9%8

https://www.aljazeera.net/news/politics/2021/3/23/%D8%B1%D9%81%D8%B6%D8%A7-

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button