الأردنالإمارات العربية المتحدةالبحرينالجزائرالسعوديةالسودانالعالمالعراقالكويتالمغرباليمنحقوق الإنسانسوريا

العنـــف الأســـري في زمــــن الكــــورونا

العنـــف الأســـري في زمــــن الكــــورونا

الجـــــــــزء الأول

تعريـــــــف

العنف الأسري هو نمط سلوكي عدواني  يُقصد به إلحاق الأذى بين أفراد الأسرة الواحدة بإستخدام القوة المادية أو المعنوية بطريقة غير مشروعة كعنف الزوج ضد زوجته، وعنف الزوجة ضد الزوج، عنف أحد الوالدين أو كلاهما اتجاه الأولاد ، او عنف الأولاد تجاه والديهم، حيث يشمل هذا الأذى الإعتداء الجسدي، العنف اللفظي والنفسي والجنسي والتهديد والإهمال أو سلب الحقوق من أصحابها،  وهذا ينتج عن علاقات غير متكافئة في إطار تقسيم العمل بين المرأة والرجل داخل الأسرة، وما يترتب على ذلك من تحديد لأدوار ومكانة كل فرد من أفراد  الأسرة وفقا” لما يمليه النظام الإقتصادي والإجتماعي السائد في المجتمع.

“بدل أن يضربني ساعة في اليوم بات يضربني ٢٤ ساعة”، هذه واحدة من عينات العنف المنزلي على المرأة والتي ارتفعت وتيرتها منذ بداية الحجر الصحي الذي فرضه فيروس كورونا المستجد.

ف”الحجر المنزلي” مصطلح يشير الى التزام الناس منازلها وعدم الاختلاط بالخارج لتجنب انتشار الوباء وانتقال العدوى. ولكن الحجر المنزلي الذي ترافق مع اجراءات الاقفال العام ومنع التجول في غالبية الدول ، حوّل بعض المنازل الى مساحات رعب وخوف للمرأة أو بمثابة سجن أو “حجز” بفعل ارتفاع العنف والإعتداء الجسدي والنفسي، كل هذه الحالات وغيرها تعيشها الكثير من النساء اليوم، وتبقى هذه الحالات طي الكتمان، بسبب الخوف من المجتمع والناس والعادات، وحرمة وأسرار المنزل، هذا عدا عن كون صيغة التبليغ عن حالات العنف ليست متوفرة في الكثير من البلدان .

أصدر انطونيو غوتيرس الأمين العام للأمم المتحدة نداءً لحماية النساء والفتيات في المنازل، بعد تفاقم العنف المنزلي والأسري خلال فترة الحجر الصحي قال فيه: 

“أوجه نداءً جديداً  من أجل (السلام في المنازل) في جميع أنحاء العالم، فمع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية ،شهدنا طفرة عالمية مروعة في العنف المنزلي، إنني أطالب جميع الحكومات بجعل منع العنف ضد المرأة وجبر الضرر الواقع جراء هذا العنف جزءا رئيسا من خططها الوطنية للتصدي لـ “كوفيد – 19”.

هذا النداء الذي يتحدث عن”طفرة عالمية مروّعة من العنف الموجه ضد النساء والأطفال” ، استند لتقارير أولية صدرت عن منظمة الصحة العالمية ومنظمات حقوقية، تقول: قبل جائحة كورونا تعرضت امرأة أو فتاة من بين كل 3 للعنف الجسدي أو الجنسي. أما اليوم فقد تضاعف معدل العنف ضد النساء مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019 الماضي. 

والعنف الأسري قضية قائمة منذ القدم ، ومع تطور المجتمعات تطورت معها الأسباب المؤدية الى العنف. وتغيرت معها أيضا”  الاساليب والاشكال المتبعة في ممارسته. 

أسباب متعددة لحالات العنف الأسري ، منها الفقر وسوء االحالة المادية والبطالة ، نشأة المُعتدي في بيئة مليئة بالعنف في التعامل، التفاوت الإجتماعي والثقافي بين الشريكين، إنعدام ثقافة الحوار والتشاور بين أفراد الأسرة، إنعدام الوازع الإخلاقي في التعامل بين أفراد الأسرة. وحاليا” زاد وباء كورونا الطين بلّة في ممارسة العنف المنزلي، حيث تحولت البيوت أمكنة خطرة لضحايا العنف الأسري خلال جائحة كورونا، إذ تؤكد الأمم المتحدة على انه ومنذ تفشي فيروس كوفيد 19، وحسب المعلومات والتقارير المتوافرة ، تُظهر زيادة كبيرة في كل أنواع العنف الذي يُمارس بالأخص ضدّ النساء والفتيات.  وتصف الأمم المتحدة هذا العنف المتنامي، بأنه جائحة الظل الموازية لجائحة كورونا، وتدعو للعمل على وقفه. وبجانب الحديث عن تنامي جائحة الظل (كورونا)، المتمثلة في العنف ضد المرأة، تشير المنظمة  الى أن الإجهاد الذي احدثه كوفيد-19 في قطاع الخدمات الصحية، أحدث بدوره إجهادا” موازيا” في قطاع الخدمات الأساسية، مثل ملاجىء العنف المنزلي وخطوط مساعدة الضحايا.  ووفق المنظمة فإن هذه الخدمات، عجزت عن تقديم الدعم لضحايا العنف المنزلي. وبحسب المقررة الأممية المعنية بالعنف ضدّ المرأة دوبرافكا شيمونوفيتش، فإن الجائحة أيضا”  أضرّت بشدة بالزيارات الميدانية للإطلاع على اوضاع المرأة.

وقد نشرت الأمم المتحدة بيانات نهاية أيلول/سبتمبر الماضي أظهرت أن تدابير الحجر المنزلي أدت الى ازدياد عدد الشكاوى والبلاغات الموجهة الى السلطات بشأن العنف المنزلي. وقد اضطرت كل البلدان الى إتخاذ تدابير لتقييد التنقلات  في مسعى للجم تفشي الفيروس، حيث وجدت النساء وأطفالهن أنفسهم محتجزين داخل جدران المنزل، مما فاقم من حالات العنف المنزلي خاصة في ظل الضغوط المصاحبة لحالات إغلاق في معظم الدول. 

مثلا في ألمانيا تصاب امرأة واحدة بجروح كل ساعة. وكل ساعة تتصل امرأة بريطانية تشتكي من عنف، حيث ارتفع العنف المنزلي بنسبة 30% خلال الحجر. وارتفع العنف المنزلي في فرنسا بنسبة 36% خلال الحجر. النسبة في إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة شهدت أيضا ارتفاعا في وتيرة العنف، فقد سجلت 700 استغاثة من نساء أميركيات خلال أربعة أيام بمعدل 175 استغاثة في اليوم. أما في الصين فقد ارتفعت نسبة العنف المنزلي في مناطق الحجر الصحي بنسبة 300%.

كيف هو وضع المرأة العربية في ظل الحجر المنزلي  الناتج عن كوفيد-19 ؟

كما أدّت جائحة كورونا إلى تفاقم العنف الذي يُمارس ضد المرأة في شتى أنحاء العالم، فإنها أيضا” زادات بنسب كبيرة في الدول العربية، حيث من المتوقع أن يكون حال النساء أكثر سوءا”. للأسف هناك إفتقاد دقيق للمعلومات وصعوبة في إحصاء العدد لعدم التبليغ عن حوادث العنف باعتباره شأن عائلي داخلي. وان معظم الدراسات والإحصاءات تمت بناء” على عدد التبليغات والاتصالت التي تمّت على الخطوط الساخنة أو اللجوء الى جمعيات ومنظمات المجتمع المدني المعنية بهذا الموضوع طلبا” للحماية والمساعدة.

 وقد اعتبرت الكثير من المنظمات الحقوقية أن المنزل بات يشكل المكان الأخطر على النساء، طالبة من السلطات التحرك بصورة طارئة لتطويق هذه الآفة  لما لها من تداعيات  خطيرة على  المستوى النفسي والصحي والجسدي للمعنف/المعنفة، كما على الصعيد الاجتماعي، كون الاسرة هي الخلية الأساسية في البنية الاجتماعية، فإن أي خلل على المستوى الأسري سينعكس حتما” على المستوى الإجتماعي العام.

العنف الأسري في ظل جائحة كورونا في بعض الدول العربية

– في العــراق تفاقمت مشكلة العنف المنزلي والتحرش بالقصّر والإعتداء على النساء في ظل الحجر المنزلي بسبب كوفيد-19. وقد وثقت الأمم المتحددة تقارير متعددة تتعلق بإساءة الأزواج لزوجاتهن، من بينها اغتصاب امرأة من ذوي الحاجات الخاصة، وإساءة الأزواج لزوجاتهن، وتحرش جنسي بالقصّر وانتحار بسبب العنف المنزلي. وقد اعتبرت دانييل بيل رئيسة مكتب حقوق الإنسان في العراق ، إن النساء يواجهن تحديات إضافية بسبب إن ” إجراءات التقييد التي اُعتمِدت للتصدي لكوفيد-19 في العراق ، زادت من مخاطر العنف المنزلي، وفي الوقت نفسه قللت من قدرة الضحايا على الإبلاغ عن الإساءة والبحث عن مأوى آمن للحصول على الدعم والوصول الى العدالة”. وتتابع بيل انه في حين أن الإجراءات الوقائية ضرورية لمنع إنتشار الفيروس ، كان لحظر التجول تأثير كبير على حياة النساء ، حيث قالت ” لقد تلقينا تقارير تفيد بأن النساء لا يمنكهن مغادرة المنزل للحصول على الرعاية الطبية بسبب الوصم والعار الذي قد يجلبنه لأسرهن، وايضا” العادات الإجتماعية لا تسمح للمرأة بأن تكون وحدها في مراكز الحجر في ظل غياب ذكر من اقربائها “.

ومع إن الدستور العراقي يحظر جميع أشكال العنف والإساءة داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع، إلا  إن قانون العقوبات ينصّ على أن عقاب الزوج  لزوجته هو حق قانوني وبالتالي فهي ليست جريمة، وبهذه الحال يفلت الجناة أكثر الأحيان من العقاب .  وفي حال تم محاسبة الجناة، فإن ذلك يقتصر فقط على توقيع الجناة على وثيقة تشير الى انهم لن يكرروا جرمهم، أو أن يُطلب من الضحايا التصالح مع الجناة.

كما دعت دانييل بيل االنظم القضائية الى ملاحقة المعتدين حيث اعتبرت ” إن نساء وفتيات العراق، كما هو الحال في أي بلد، يتسحقون الحق في الحماية وأن يكنّ آمنات في منازلهن”.

أما في فلسطين فوضع المرأة هو الأسوأ ، حيث ان الأسرة الفلسطينية عامة” والمرأة خاصة” معاناتها مضاعفة ، حيث واجهت المرأة الفلسطينية  واقعا” صعبا” تداخلت فيه التحديات الإجتماعية وتحديات مواجهة الإحتلال، وتحديات جائحة كورونا على المرأة واسرتها، لتزيد من حجم المخاطر التي تتعرض لها المرأة نتيجة العنف ، إضافة للضائقة الإقتصادية التي تعيشها الأسر الفلسطينية والحصار الذي يفرضه الإحتلال الإسرائيلي.

وقد اعتبرت هبة الزيان، مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في قطاع غزة، ” إن أزمة كورونا أثرت على النساء والفتيات في فلسطين بشكل أكبر، مشيرة أن العنف الأسري زاد بشكل كبير خلال فترة الإغلاق التي فرضتها الحكومة الفلسطينية. فالمرأة الفلسطينية تدفع ثمن الأزمة سواء كانت ربة بيت أو موظفة، وحالة العنف مازالت حالة مريرة تعانيها ربة البيت الفلسطينية، حيث بلغت نسبة النساء اللواتي تعرضن للعنف خلال جائحة الكورونا وحسب بيانات وزارة التنمية الإجتماعية لنحو 72،9% من مجموع التي تم توثيق حالتهن”. 

الآثار السلبية التي نتجت عن العنف الممارس ضد النساء ان نحو 64% منهن قد حاولن الهرب من المنزل للخلاص من النعف، مقابل نحو 21% قد حاولن الإنتحار حسب بيانات وزارة التنمية الإجتماعية.  وقد اشارت رندة سنيورة / مديرة مركز المرأة للإرشاد القانوني والإجتماعي بان وزارة شؤون المرأة تقوم بعمل استطلاع للرأي حول ارتفاع العنف خلال جائحة كورونا، حيث تبين من المؤشرات الأولية حالات سفاح القريى التي تتم عن طريق اعتداءات جنسية من قبل أفراد الأسرة الذكور على النساء مما يدفعهن الى الإنتحار، ومن الواضح أن هناك ارتفاعا” في نسبة الحالات الجنسية خلال جائحة كورونا والتي يجب أن يتم تجريمها من قبل القانون. 

وفي لبــنـان  أدت الإجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية لمجابهة جائحة كورونا الى ارتفاع  حالات العنف المنزلي وذلك من خلال إلزام المواطن البقاء في منزله لفترات طويلة في ظل وضع إقتصادي منهار، مما تسبب في خلق أزمات مالية واقتصادية زادت بدورها من الخلافات الأسرية. حيث لم تعد المنازل مكان آمن للنساء، في ظل كثرة الشكاوي من عنف يتعرضن له يوميا”، حيث تضاعفت نسبة التبليغ على الخط الساخن المخصص من القوى الأمنية 100% في اذار 2019 .  ومع إزدياد أرقام العنف المنزلي، كان لا بد للسلطات اللبنانية من التدخل، حيث أصدر النائب العام التمييزي غسان عويدات تعميما” بشأن كيفية التحقيق في هذه الدعاوى. ودعا عويدات الى فتح محاضر تحقيق فورية في جميع قضايا العنف الأسري, حتى في حالات الجرائم غير المشهودة، وعدم اشتراط حضور الضحية لمركز التحقيق، في حال قالت انه لا يمنكها الإنتقال بسبب ظروف كورونا. وقيام المحامي العام الإستئنافي المتحصص بالإستماع إليها عبر تقنية ” الفيديو كول”. 

لا يزال العنف يشكل عائقا” في سبيل تحقيق المساواة والتنمية والسلام، وكذلك إستيفاء الحقوق الإنسانية للمرأة والفتاة خاصة، والاسرة عامة”. ولايمكن تحقيق أي أهداف تنموية مستدامة ما لم تُسنّ قوانين صارمة تضع حد للعنف المنزلي الذي يطال الأسرة بشكل عام والنساء والفتيات بشكل خاص .

وللبحث صلة و تتمة!

نعمــت بيــــــــان

مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الإسكندنافية

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button