العالم

السويد بعد انتخابات 2022، هل انتهى نموذج وحلم الدولة المِثال؟

السويد بعد انتخابات 2022،

هل انتهى نموذج وحلم الدولة المِثال؟

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في  المنظمة العربية لحقوق الانسان في الدول الاسكندنافية

18/9/2022

لمحة موجزة عن طبيعة نظام الحكم في السويد

تتبع السويد نظاما” ملكيا” دستوريا” بنطام برلماني واقتصاد متطور، كما أنها تحتل المرتبة الأولى في العالم في مؤشر الإيكونوميست للديمقراطية، والسابعة في موشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية.

كما أن السويد عضو في الإتحاد الأوروبي منذ 1 كانون الثاني/ يناير 1995، والتي ستتولى رئاسته في الأول من كانون الثاني/يناير 2023، وهي عضو أيضا” في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية.

هذا ويتكون البرلمان السويدي من 349 نائبا” يمثلون  8 أحزاب سياسية، ( 3 أحزاب يسارية و5 أحزاب يمينية). وقد توالى على قيادة الحكم حزبين أساسيين، الحزب الإشتراكي  وهو أكبر أحزاب اليسار، وحزب المعتدلين المحافظ وهو من أكبر أحزاب إئتلاف اليمين. 

السويد أمام منعطف سياسي جديد بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2022

جاءت نتيجة الانتخابات البرلمانية والمقاطعات والبلدية التي جرت يوم الأحد الماضي في ( 11 أيلول/ سبتمبر 2022) شبه صادمة رغم أنها كانت متوقعة، حيث أدّت إلى فوز إئتلاف أحزاب اليمين المتمثل بـخمس أحزاب. والمفارقة أن يفوز حزب ديمقراطيو السويد العنصري بأعلى نسبة أصوات خاصة بين فئة الشباب، حيث حلّ وللمرة الأولى في المرتبة الثانية حيث حصل على 20.6% من نسبة الأصوات، وهي أعلى نسبة يحصل عليها منذ تأسيسه ودخوله المعترك الانتخابي. ووفقا” لهذه النتيجة، سيقوم إئتلاف اليمين بتشكيل الحكومة والتحكم لأربع سنوات وسط تحديات جمّة تواجهها السويد، أهمها التضخم والجريمة وتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية. 

لقد شكلت قضايا الجريمة والتضخم  والاندماج كبرى الشعارت التنافسية بين الأحزاب السياسية ، والمتغير في هذه الانتخابات هو تبدّل المزاج الشعبي لدى السويديين بشكل عام، حيث عمل  حزب ديمقراطيو السويد العنصري والنازيّ المنشأ الى استحضار حالات التعبئة ضدّ المهاجرين وتحديدا” (المسلمين)، وتأجيج الكراهية، حيث يعتبرُ أن وجود المهاجرين سيغير من الطابع السياسي والاجتماعي لمملكة السويد ، على سبيل المثال لا الحصر، شجع هذه الحزب ذات البعد القومي بالودين رامسون ، (وهو رئيس حزب عنصري دانمركي لكنه حاصل على الجنسية السويدية) على التنقل بين المدن السويدية واستفزاز مشاعر بعض الفئات، من خلال حرق المصاحف أمام الجوامع وفي الساحات العامة من باب حرية الرأي والتعبير،  هذه الإحداثيات شكلت ردّة عنيفة   في بعض المناطق، حيث تم الإعتداء على رجال الشرطة وتخريب  بعض المملتكات العامة، مما شكلّ حالة تعاطف من قِبل شريحة واسعة من الشعب السويدي مع  حزب “الديمقراطيين السويديين” الذي استفاد من الشعارات الشعبوية بأن المهاجرين يعملون على تخريب المجتمع السويدي. وهذا بدوره أدّى إلى نيل هذا الحزب الذي كان مرفوضا”  ومنبوذا في السابق أعلى نسبة أصوات. 

كيف توزعت الأصوات؟

أحزاب الكتلة اليمينية المؤلفة من المحافظين وديمقراطيو السويد والمسيحيون الديمقراطيون والليبراليون  حصدوا  49.7% من الأصوات، في حين حصدت كتلة اليسار بأحزابها الأربعة الاشتراكي الديمقراطي واليسار والبيئة والوسط 48.8% من الأصوات بفارق 0.9%. حيث كان الفائز الأكبر في هذه الانتخابات هو حزب ديمقراطيّ السويد العنصري، والذي يُعتبر اليوم ثاني أكبر حزب في السويد حيث بلغ نسبة 20.6%  بعد الحزب الاشتراكي (اليساري)الذي بلغ نسبة 37%. الفارق بين اليمين واليسار ضئيل جدا، حيث بات المجلس النيابي على الشكل التالي:  176 عضو لائتلاف اليمين، و173 عضو لتحالف اليسار .

يُذكر  أن  حزبا” سياسيا” تأسس حديثا” تحت اسم ” نيانس”، معظم منتسبيه من المهاجرين وخاصة في جنوب السويد (مالمو) تحديدا”. لم يتمكن  هذا الحزب  الحديث الولادة ، من الوصول لعتبة المجلس البلدي في مالمو، حيث كان لابد له أن يجتاز نسبة 3% من الأصوات لشغل مقعد في البلدية.

المحللون وبعض الصحف السويدية اعتبرت أنه حتى لو كان الحزب بعيدًا عن حاجز دخول البرلمان، فقد يكون الحزب قد سبب في أخذ العديد من الأصوات من حزبي الاشتراكي الديمقراطي واليسار على المستوى الوطني.

لا شك إن فوز اليمين المتطرف سيضع السويد أمام مرحلة سياسية جديدة لم تشهدها سابقا”، في الوقت التي تستعد البلاد لتولي الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي في الأول من كانون الثاني/ناير 2023، إضافة إلى عملية ترشحها للإنضمام إلى حلف الناتو. ناهيك عن الملفات الداخلية المتعلقة بالجريمة والتضخم والاندماج والتعليم والطبابة والبطالة وغيرها من ملفات ساخنة ستشكل كبرى التحديات أمام الحكومة الجديدة. 

كيف ستكون صورة السويد  مستقبلا”في ظل هذا المتغيّر؟

يجيب الخبير في الشؤون السويدية ، الصحافي عدنان أبو شقره  عن ذلك بالقول: ” التغيير الأساسي في الانتخابات السويدية هو امكانية دخول حزب أٌسس من قِبل النازيين إلى الحكومة واحتلاله موقع ثاني أكبر حزب في البلد”. ويضيف الأستاذ أبو شقرا ،” من المهم القول أن السويد قوية بمؤسساتها الديمقراطية، لكن هذا لن يمنع أن هناك قوانين خاصة باللاجئين والأجانب سيتم التشدد بها، كالحد من قبول اللجوء السياسي، ولمّ الشمل إضافة إلى تشديد العقوبات على مرتكبي الجرائم، كما أن هناك تخوف كبير من تخفيض سقف الحريات للأجانب وتحديدا” المسلمين”. وهذا يتطلب حسب رأي الأستاذ أبو شقرا ” اتخاذ مواقف حاسمة من قِبل الأحزاب اليسارية والليبرالية ضدّ هكذا إجراءات،  يجب أن يُحفز فوز حزب ديمقراطيو السويد العنصري على انخراط ومشاركة المهاجرين في العمل السياسي حتى يتم لجم جنوح المجتمع السويدي نحو التطرف”.

في الختام ، يمكن القول أن السويد اليوم لن تكن كالسويد سابقا”، من حيث خروجها عن سياسة الحياد التي كانت تتحلّى بها، وطريقة معالجتها لمجمل القضايا إن كان على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي. ولا بد من التأكيد على أن المتغييرات التي تجري على الساحة العالمية وخاصة الحرب الروسية -الأوكرانية وتداعياتها الكارثية، ستغيّر وجه القارة الأوروبية، التي يبدو وحسب الخبراء ستواجه أزمات كبيرة ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، حيث بدأ التضخم ينخر بالجسد الأوروبي، بل أيضا” على الصعيد السياسي من جراء صعود اليمين المتطرف في شكل ملفت في العديد من دول الاتحاد الأوروبي  مثل فرنسا وإيطاليا والمانيا والنمسا وهولندا واليوم تُضاف السويد إلى القائمة لتصبح جزءا” من هذه المنظومة الجديدة.  

يُشار أنه في الوقت الذي  لاقى فوز حزب ديمقراطيو السويد العنصري في الانتخابات ترحيبا” حارا”  لدى اليمين الأوروبي المتطرف، خاصة من ماري لوبان (فرنسا)،  والإيطالي ماتيو سالفيني، أدانت بعض الصحف الأوروبية الكبرى هذا الصعود، وصُدمت من حصول حزب نازي منبوذ على نسبة أصوات عالية من السويديين.

انتخابات 2022 وضعت السويد  أمام منعطف سياسي جديد،  فهل حلم الدولة المِثال التي تمثله السويد انتهى إلى غير رجعة؟؟ هذا ما سيكشفه المستقبل الحافل بالأحداث والمتغيرات.

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button