العالم

الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها الإقتصادية!

أوروبا في قلب العاصفة وأمام نقطة تحوّل تاريخية –

 والأمن الغذائي والاجتماعي لبعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في خطر

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية

يشهد العالم فوضى عارمة تشمل جميع مناحي الحياة، الأمنية والسياسية والصحية والمناخية والاقتصادية نتيجة الحروب والصراعات بين القوى الدولية – الإقليمية  القائمة على توسيع مناطق النفوذ والسيطرة على الثروات . هذا الصراع الجيو-سياسي يسبب للبشرية والإنسانية  جمعاء عواقب خطيرة تطال أمن واستقرار الشعوب والأوطان على حدٍ سواء. ففي الوقت الذي لم ينهض العالم بعد من تداعيات أزمة جائحة كورونا الاقتصادية جراء الإقفال التام لما يقارب العامين، لتأتي الحرب الروسية-الأوكرانية لتزيد من طين المشكلة بلّة ، وتخلق أزمة اقتصادية عالمية مُضافة. 

مما لا شك فيه، أن  الصراع الروسي- الأوكراني يشكل ضربة للإقتصاد العالمي، حيث أن من أخطر تداعيات هذه الأزمة المُستجدة أنها ستعيق وتضر بالنمو وتطور العجلة الاقتصادية العالمية، وستزيد نسبة التضخم التي بدأت تشهدها بعض الدول الأوروبية ، على سبيل المثال لا الحصر، ارتفعت نسبة التضخم في دولة السويد إلى 6.1% ، والتي لم تشهدها منذ أكثر من 30 عاماً، ومرحجة للإرتفاع أكثر. 

وحسب تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في 17 آذار/مارس 2022، إن الآثار السلبية لهذه الأزمة سوف تتدفق من خلال ثلاث قنوات:

القناة الأولى : ارتفاع أسعار السلع الأولية، كالغذاء والطاقة، الذي سيدفع التضخم نحو مزيد من الإرتفاع، مما يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة الدخول وإضعاف الطلب.

القناة الثانية : سوف تصارع الاقتصادات المجاورة بصفة خاصة الإنقطاعات في التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين في الخارج، كما ستشهد طفرة تاريخية في تدفقات اللاجئين.

القناة الثالثة : تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين سيفضيان إلى إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما التحفيز على خروج النفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة.

وبما أن روسيا وأوكرانيا من أكبر البلدان المُنتجة للسلع الأولية، فقد أدت انقطاعات سلاسل الإمداد إلى ارتفاع الأسعار العالمية بصورة جنونية، ولا سيما أسعار النفط والغاز الطبيعي. كما شهدت تكاليف الغذاء قفزة في ظل المستوى التاريخي الذي بلغه سعر القمح، حيث تُسهم كل من أوكرانيا وروسيا بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية. وإن أكثر البلدان تأثراً بهذه  التداعيات، هي البلدان التي لديها علاقات تجارية وسياحية وانكشافات مالية.

والإرتفاع الحاد في أسعار الغذاء والطاقة، سيدفع بالطبع إلى حدوث قلاقل في بعض المناطق والبلدان، من إفريقيا -جنوب الصحراء، وأميركا اللاتينية، إلى القوقاز وآسيا الوسطى، بينما من المحتمل زيادة انعدام الأمن الغذائي في بعض أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط. 

وقد تُفضي الحرب على المدى الطويل إلى تبديل النظام الإقتصادي والجيو-سياسي العالمي من أساسه إذا حدث تحول في تجارة الطاقة، وأُعيدت تهيئة سلاسل الإمداد، وتجزأت شبكات المدفوعات، وأعادت البلدان التفكير في حيازاتها من عملات الإحتياطي. أما زيادة حدة التوتر الجيو – السياسي فيهدد بمزيد من مخاطر التجزؤ الإقتصادي ولا سيما على مستوى التجارة والتكنولوجيا.

الدول الأكثر تضرراً من الحرب الروسية – الأوكرانية 

1.أوروبـــــــا – أمام نقطة تحوّل تاريخية

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تشهد القارة الأوروبية حرباً بالمعني الحرفي للكلمة، بل عاشت في حالة استقرار ما يُقارب السبعة العقود. بينما  اليوم، مستقبل أوروبا أمسى محفوفاُ بالقلق والمخاطر نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية المُستجدة التي بدأت في 24 شباط/فبراير 2022 ولا تُعرف كيف ستكون نهايتها. هذه الحرب سيكون لها تداعيات اقتصادية ومالية وتجارية وحتى عسكرية هائلة وبالدرجة الأولى على القارة العجوز، كونها في قلب الحدث.

روسيا والعقوبات

روسيا وأوكرانيا أولى الدول الأوروبية المتضررة من جراء الأزمة الأوكرانية، حيث أدت المعارك إلى تعطيل شبه كامل للاقتصاد الأوكراني، كما عرقلت بشكل كبير الملاحة في البحر الأسود. ولم يطل الأمر  حتى سارعت الدول الغربية إلى فرض عقوبات مالية واقتصادية قاسية وصارمة على روسيا، تمخضت عنها آثار اقتصادية عقيمة . وقد أعاقت هذه العقوبات الإستثمارات وتبادل السلع والخدمات بين روسيا والعالم.

توازياً، ترافق فرض العقوبات الاقتصادية الصادمة على روسيا مع توقف العديد من الشركات العالمية عن العمل مع روسيا تفادياً للعقوبات المستقبلية، وهذا الإجراء حتماً سيهدد بالبطالة الجماعية في المدى القريب، وهذا ما تخشاه الكرملين، حيث أن البطالة ستكون المحرك الأساسي للإحتجاجات الداخلية. لذا باشر الرئيس بوتين بتجهيز البلاد  ببدائل على المدى الطويل، حيث اعتبر  في حديث له مع  المسؤولين التنفيذيين في مجال الطيران أخيراً، أن ” الغرب الجماعي لا يخطط للتراجع عن سياسة الضغط الاقتصادي على روسيا، ويحتاج كل قطاع من قطاعات الاقتصاد الروسي إلى وضع خطة طويلة الأمد تستند إلى الفرص الداخلية”. والرئيس الروسي توقع العقوبات  منذ أن قام بضم جزيرة القرم عام 2014، ولكن ليس بالحجم الهائل الذي حصل بعد اجتياح أوكرانيا،  لذا بدأ التفكير بالإعتماد على الذات باعتماد استراتيجية أطلق عليها إسم “حصن روسيا“. من بين الإجراءات التي يُمكن أن تتخدها الكرملين لتحصين روسيا داخلياً من تداعيات العقوبات الاقتصادية الغربية هي:

البنك المركزي يرفع الفائدة، استبدال شبكة سويفت بشبكات داخلية والإعلان عن وظائف جديدة، حسب ما أوردته صحيفة الإندبندت الصادرة في 23/4/2022.

يُشار إلا أن الاقتصاد الروسي يحتل المرتبة الـ 11 عالمياً ، وتزداد أهميته لقطاعات عالمية أساسية، أبرزها أسواق الطاقة وبعض المعادن والحبوب. 

هذا وقد حذرت العديد من المؤسسات الدولية من الآثار الكارثية للأزمة الأوكرانية في إمدادات الغذاء للدول المنخفضة الدخل. كما قادت هذه الأزمة إلى تعطيل صادرات الحبوب الأوكرانية والروسية على حد سواء. وتفاعلت  أسعار القمح جراء هذه الحرب، حيث ارتفع سعر الطن إلى نحو 400 دولار أميركي. كما توفر أوكرانيا وروسيا 60% من صادرات دوار الشمس العالمية، إضافة إلى الشعير والذرة.  لذا ستتكبد روسيا وأوكرانيا خسائر فادحة ، لأن من شأن العقوبات غير المسبوقة على روسيا أن تُضعف أنشطة الوساطة المالية والتجارة، مماسيفضي إلى حدوث ركود عميق. وانخفاض سعر الروبل يذكي التضخم، ويفضي إلى تراجع مستويات معيشة الناس. 

الطاقة وتداعيات انقطاع سلاسل الإمداد على الدول الأوربية !

وما هي البدائل المُحتملة أمام أوروبا في حال توقف الإمداد للغاز الروسي؟

تمثل الطاقة القناة الرئيسية لإنتقال التداعيات في أوروبا حيث تشكل روسيا مصدراً أساسياً لوارداتها من الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية، مما يؤدي إلى انقطاعات أوسع في سلاسل الإمداد. كما ستسفر هذه الآثار عن عن ارتفاع التضخم وإبطاء التعافي من جائحة كورونا. كما ستشهد أوروبا الشرقية ارتفاعاً في تكاليف التمويل، وطفرة في تدفق اللاجئين، حسب ما أوضحته تقارير الأمم المتحدة. ومن المتوقع أن تواجه الحكومات الأوروبية ضغوطاً على المالية العامة من زيادة الإنفاق على تأمين مصدر الطاقة الطاقة وميزانيات الدفاع.

كما أثار تهديد الغاز مقابل الروبل احتمالية قطع الإمدادات عن الدول الأوروبية، حيث اتخذت ألمانيا  (الدولة الأوروبية الأكثر تضرراً من هذه التداعيات) والنمسا خطوات احترازية تجاه تقنين الغاز لتجنب احتمال توقف عمليات التسليم، وآخر هذه الخطوات دعوة وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك الألمان إلى البدء في توفير استهلاك الطاقة الآن لا سيما عبر العمل من المنزل، ليصبحوا أكثر استقلالاً عن الوقود الأحفوري الروسي.

ورغم تهديد روسيا الذي شكّل صدمة للدول الأوروبية حين وجّه الرئيس الروسي بوتين إنذاراً لدفع ثمن طاقتها المُستوردة من روسيا بالروبل اعتباراً من الأول من نيسان الجاري، أو المخاطرة بقطع الإمدادات الحيوية، مازا لت الدول الأوروبية تستفيد من الغاز الروسي، بالرغم من دخول قرار بوتين حيز التنفيذ في الأول من نيسان.

كما ترفض كلٌّ من ألمانيا وفرنسا وحكومات الإتحاد الأوروبي الإنذار الروسي، وتؤكد أنها لن “تُبتّز” من   قِبل موسكو لتغيير شروط العقود المعمول بها حالياً، حيث اعتبر أكبر مسؤول اقتصادي في الإتحاد الأوروبي، باولو جينتلوني لـ ” سي إن إن” أن العقود الحالية لا تتضمن التزاماً بالدفع بالروبل، وهذا يعني أن آلية مبادلة اليورو بالروبل التي اقترحتها موسكو لن تجدي نفعاً.

ألمانيا والنفط الروسي

تُعتبر ألمانيا كبرى  الدول الأوروبية المستوردة للغاز الروسي والأكثر تضرراً جراء هذه التداعيات، لما لديها من صناعات ضخمة التي تستهلك كميات هائلة من الغاز والطاقة. 

وقد حذر المستشار الألماني أولاف شولتس في كلمة له أمام البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ)، أن قرار ألمانيا دعم الإتحاد الأوروبي في فرض عقوبات تستهدف البنك المركزي الروسي، واسبتعاد مصارف روسية من نظام سويفت المالي، قد يتوسع لكي يشمل عقوبات “من دون حدود.” والمقصود في كلام شولتس استعداد بلاده لفرض عقوبات على الغاز الروسي الذي تعتمد المانيا بثلث طاقتها تقريباً عليه. وكان المستشار الألماني قد أعلن بعد يوم على بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وقف العمل بمشروع «نورد ستريم 2» الذي ينقل الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا. وقال إن المشروع أصبح يشكل «تهديداً للأمن القومي» في ألمانيا. وقد أعلن شولتس أيضاً أمام البرلمان عن خطط تعمل عليها الحكومة لبدء تقليص اعتمادها على الغاز الروسي الذي يصلها حالياً عبر أنابيب المرور في أوكرانيا، وقال إن البلاد ستزيد من احتياطي الغاز في المستقبل القريب، وستبني محطتين إضافيتين لذلك في أسرع وقت ممكن، فيما تسرع بالعمل على مشروعات الطاقة المتجددة.

لا مزيد من النفط الروسي العالم المُقبل“،  هذا ما وعدت به أيضاً وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال مؤتمر صحافي عُقد في 20 نيسان/أبريل 2022، حيث قالت :” في عام 2022 خاضت روسيا الحرب، وعاد الناس في أوروبا إلى الخوف والقلق مرة أخرى، ويُعتبر هجوم روسيا على أوكرانيا نقطة تحوّل، لذا يتعين علينا إعادة التفكير في البيئة الأمنية لأوروبا”، وأضافت بيربول  ” أن الأمن في أوروبا يعني سنقلّص وننهي اعتمادنا على روسيا وخاصة في مجال سياسة الطاقة، لقد أرتكبنا الأخطاء في هذا المجال في الماضي، ولكن لا يمكننا تكرار ما مضى، بل علينا أن نوقف وارداتنا من الطاقة الروسية بشكل أكبر، لذلك أقول هنا بوضوح وبشكل لا لبس فيه، بأن ألمانيا أيضا تعمل على التخلّص التدريجي من واردات الطاقة الروسية، وفي نهاية الصيف سنُخفض النفط إلى النصف، وسنكون عند الصفر بحلول نهاية العام، وسيتبع ذلك الغاز، وذلك ضمن خارطة طريق أوروبية مشتركة، لأن ذلك هو قوتنا المشتركة”. من جانبه صرح وزير الاقتصاد الألماني في آذار/مارس الماضي :” أن ألمانيا تريد أن تكون شبه مستقلة عن النفط الروسي في نهاية العام”.

من جانب آخر، وبحسب ما أوردت CNBC، يقول المحلّلون في مجموعة “أوراسيا” الإستشارية للمخاطر السياسية، إنه من غير المرجح أن تنتهك شركة “غازبروم” عقودها الحالية برفضها تزويد الغاز للعملاء الذين يرفضون الدفع بالروبل على المدى القصير.

ومن المحتمل أن تسعى “غازبروم” إلى إعادة التفاوض على العقود الحالية، وهي عملية تستغرق وقتاً طويلاً في أفضل الظروف، في سياق المراجعات الدورية التي تسمح بها معظم العقود طويلة الأجل. وعلى المدى الطويل، من المرجَّح أن تصرّ “غازبروم” على أنّ العقود الجديدة تعكس السياسة الجديدة، بمجرّد أن يتم تجديدها”، كما قال المحللون في مجموعة “أوراسيا”. وأضافوا أنّ “هناك خطراً من أن تتحرك روسيا بقوة أكبر، وهو ما قد يعني ضمناً، فرصة أكبر لتعطّل إمدادات الغاز على المدى القصير. لكن من المرجح أن تستمر عملية التفاوض المطوَّلة”.

 وبحسب CNN، على الرغم من زيادة مخاطر تعطّل الإمدادات الأوروبية، لا يزال الغاز الروسي يتدفق غرباً على اثنين من خطوط الأنابيب الثلاثة الرئيسية، إذ لم توقف روسيا على الفور تدفق الغاز إلى أوروبا، لأنّ مدفوعات الغاز التي يتم تسليمها الآن، ستنخفض نهاية الشهر الجاري أو بداية شهر أيار، حسب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف. وأكّد أنّ عدم الموافقة على تسديد ثمن الغاز بالروبل، لا يعني وقف الإمدادات في الأول من نيسان الجاري، أي تاريخ دخول القرار الروسي حيّز التنفيذ، معتبراً أنّ “غازبروم” ستعمل مع عملائها لتطبيق القواعد الجديدة”، وأنّ “التفويض بالروبل يمكن إلغاؤه.

كما رأت الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، آن صوفي كوربو، في حديث لـ CNBC أنّ الفشل في حل أزمة مدفوعات الروبل قد يؤدي إلى عملية تحكيم مطوّلة. فالشركات لديها عقود طويلة الأجل مع شركة “غازبروم”، وإذا كان هناك بند في هذه العقود يسمح للشركات بتبديل العملات للدفع بالروبل، فقد تكون هذه إحدى النتائج المحتمَلة.

وإحدى البدائل التي يتم التدوال بها والتفاوض عليها، هي إمداد أوروبا بالغاز القطري عوضاُ عن الغاز الروسي. فخلال زيار أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد إلى واشنطن نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، بحث الجانبان خيارات تزويد دول الإتحاد الأوروبي بشحنات من الغاز الطبيعي القطري في حال شنت روسيا حرباً على أوكرانيا. لكن مراقبون يرون أن تحويل الغاز القطري إلى دول الإتحاد الأوروبي سيحتاج إلى مزيد من الوقت، إضافة إلى أن قدرات قطر في ظل التزاماتها تجاه الدول المُستوردة للغاز في آسيا وإفريقيا، ستظل بحدود تعويض جزئي لحاجة تلك الدول من الغاز الروسي. لكن يمكن لدول أخرى منتجة للغاز إلى جانب قطر، مثل الجزائر ومصر، أن تساهم في تقليل اعتماد الأوروبيين على الغاز الروسي وسد جزء من حاجاتهم. كما أن دولاً منتجة للنفط مثل السعودية والعراق والكويت والإمارات يمكنها المساهمة في تقليل اعتماد أوروبا على النفط الروسي.

2.الآثار الفادحة على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

 من المؤكد إن بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستتأثر بشكل كبير جراء الأزمة الأوكرانية. حيث أن بعض الدول العربية ستواجه آثاراً فادحة من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وضيق الأوضاع المالية العالمية. ففي مصر، على سبيل المثال، تأتي 80% من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، كما أنها مقصد سياحي يحظى بإقبال كبير من كلا البلدين، وسوف تشهد كذلك انكماشاً في نفقات زائريها.  والحال أصعب بالنسبة لـ ( لبنان وسوريا والجزائر وتونس) حيث ستواجه هذه البلدان مصاعب في توفير إمدادات الحبوب ، وخصوصاً القمح، وكذلك الزيوت النباتية، لأن هذه البلدان تعتمد بشكل رئيسي على إمدادات القمح والحبوب من أوكرانيا وروسيا، مما يعرض أمنها الغذئي للخطر، خاصة في لبنان الي يعيش انهيار مالي خطير.

وربما أدت الأسعار الآخذة في الارتفاع إلى زيادة التوترات الاجتماعية في بعض البلدان، كتلك التي لديها شبكات أمان اجتماعي ضعيفة، وفرص عمل قليلة، وحيز محدود للإنفاق من المالية العامة، وحكومات تفتقر إلى الشعبية.

ختاماً، إن عواقب الحرب الأوكرانية-الروسية التي وقعت في 24 شباط/فبراير 2022 لن تؤثر على هذين البلدين فحسب ، بل ستطال العالم بأسره، مع إختلاف نسبي بين منطقة وأخرى . فهذه الحرب ستؤثر سلباً في حالتين مهمتين، معدل التضخم والنمو العالميان. حيث ستفاقم الحرب الأوكرانية معدل التضخم العالمي بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف الطاقة العالمية والمعادن والحبوب التي تُسهم بشكل أساسي في إنتاج السلع والخدمات العالمية، كذلك بسبب مفاقمتها أزمة سلاسل التوريد. وتشير بعض المصادر إلى أن التضخم العالمي هذا العام سيتجاوز 6%، لكن بعض الدول الاقتصادية الكبرى ستعاني بشكل أكبر، وسيتضرر أيضاُ معدّل النمو الاقتصادي العالمي بسبب هذه الحرب. وحسب تقارير صندوق النقد الدولي،  أنه” ستزيد المصاعب في وجه صُنّاع القرار والسياسات”. بحيث يرى المحللون أنه قد لا تتضح الصورة الكاملة لبعض الآثار لسنوات طويلة، إلا أن هناك علامات واضحة على أن الحرب وما أفضت إليه من قفزة في تكاليف السلع الأولية الضروروية ستزيد من الصعوبات والتحديات التي تواجه صناع السياسات في بعض البلدان لتحقيق التوازن بين احتواء التضخم ودعم التعافي من الجائحة.

ولتفادي الوصول إلى الأسوأ، لا بد من ووجود شبكة أمان عالمية، وإيجاد حلول لوقاية الاقتصادات من الصدمات. وكما عبرّت مديرة الصندوق الدولي “كريستالينا جورجيفا” في لقاء صحفي: ” نحن نعيش في عالم مُعرض بشكل أكبر للصدمات، ونحتاج إلى القوة الجماعية للتعامل مع الصدمات القادمة”.

1-https://www.imf.org/ar/News/Articles/2022/03/15/blog-how-war-in-ukraine-is-reverberating-across-worlds-regions-031522

2. https://www.annahar.com/arabic/section/134-14822

3.alarabiya.netLawsaq/opinion/

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button