الأمم المضطهدةالعالم

  اليوم العالمي للغة الأم

اليوم العالمي للغة الأم

تحديات ومخاطر اندثارها وتلاشيها

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية

21/2/2022

إن اللغة هي هوية الأمة ووعاء ثقافتها ومرآة نهضتها وحاضنة تراثها وذاكرتها وتاريخها، وهي المُعبرّة عن الوعي الجماعي للأمة، ومرتبطة بهوية أبنائها ومعبرة عن وحدة اهدافهم وفكرهم ومصيرهم. ومع بروز ظاهرة العولمة، زادت مخاطر استخدام لغات محددة على حساب العديد من اللغات الأم، التي تشهد تهديداً جدياً بتلاشيها. وحرصاً على حماية اللغة الأم من الإندثار للعديد من الشعوب، خصصت الأمم المتحدة اليوم العالمي للغة الأم  الذي يُحتفل به سنوياً في جميع أنحاء العالم لتعزيز الوعي بالتنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللغات .

 جاءت فكرة الإحتفاء بهذا اليوم بمبادرة من بنغلادش للإعتراف باللغة البنغالية عام 1952، واقرّها المؤتمر العام لليونسكو  في17 تشرين الثاني/نوفمبر 1999 ،  ومن ثم تم إقراره رسمياً من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أُعتبر 21 شباطـ/فبراير اليوم العالمي للغة الأم، ليبدأ العالم أجمع الاحتفاء بهذا اليوم اعتباراً من عام 2000، حيث يُقر هذا اليوم بأن اللغات وتعزيز اللغات يعزز الاندماج ، وخاصة أن تركيز اليونسكو بأن التعليم، وبخاصة القائم على اللغة الأولى ، ينبغي أن يبدأ في السنوات الأولى في إطار رعاية الطفولة المبكرة فضلاً على التربية على أساس التعليم.

التكنولوجيا ودورها في التعليم متعدد اللغات                                                                                               وللتكنولوجيا القدرة على التعامل مع بعض أكبر التحديات التي تواجه التعليم اليوم. ويمكن لها ان تلعب  دورا هاما في تسرع الجهود نحو ضمان فرص تعلم عادلة وشاملة ومستدامة للجميع إذا كانت تسترشد بالمبادئ الأساسية للإدماج والإنصاف. ويعد التعليم متعدد اللغات القائم على اللغة الأم مكونًا رئيسيًا للشمول والإنصاف في التعليم.                                                       لقد استخدمت العديد من البلدان حول العالم حلولًا قائمة على التكنولوجيا للحفاظ على استمرارية التعلم أثناء إغلاق المدارس بسبب جائحة كوفيد 19.  الإ أن العديد من المعلمين واجهوا الكثير من العوائق منها افتقارهم للأدوات اللازمة والوصول إلى الإنترنت والحصول على المواد بسهولة والمحتوى الملائم والدعم البشري الذي كان من شأنه أن يسمح لهم بمتابعة التعلم عن بعد. وعلاوة على ذلك، لقد افتقرت ادوات وبرامج ومحتوى التعليم والتعلم عن بعد دائما القدرة على ضمان التنوع اللغوي.

ولهذا سيكون شعار اليوم الدولي للغة الأم لعام 2022 هو استخدام التكنولوجيا من أجل التعلم المتعدد اللغات: “التحديات والفرص”، الدور الذي يمكن للتكنولوجيا أن تؤديه للدفع بعجلة التعلم المتعدد اللغات ودعم الارتقاء بجودة التعليم والتعلم للجميع.

أبرز التحديات التي تتعرض لها اللغة الأم :

رغم أن اللغات تحظى بأهمية كبرى في حياة البشر بوصفها من المقومات الأساسية والجوهرية في الاتصال والاندماج والتعليم والتنمية، إلا إن  اليونسكو تعتبر إن التنوع اللغوي يتعرض إلى تهديد متزايد في ظل اندثار عدد من اللغات، ولا يحصل 40% من سكان العالم على التعليم بلغة يتحدثون بها أو يفهموها. وقد لعبت العولمة دوراً كبيراً في تهميش بعض اللغات الأصيلة، إضافة إلى أسباب أخرى أهمها:

لإغتراب : يعاني المهاجرون من معضلة تلاشي اللغة الأم، حيث أن المهاجر مضطر لتعلم لغة البلد المضيف للمساعدة في عملية الاندماج وغالباً تكون على حساب اللغة الام، وخاصة الأطفال ذو الاعمار الصغيرة الذين يجدون سهولة في اتقان اللغة الجديدة في التعبير والتواصل. فالعديد من الدراسات تُظهر أن المهاجر يمكن ان يفقد لغته الأم في البلد المُضيف بإهمال التحدث بها بشكل يومي، ويؤكد خبراء التعلم اللغوي ان اللغة الأم ممكن أن تتآكل وتتلاشى مع عدم استخدامها ومنافسة اللغة الجديدة عليها. ومن خلال تجربتنا وعملنا في هذا المجال، تبين لنا  أن الأطفال هم أكثر الفئات تعرضاً لاحتمالية تلاشي اللغة الأم، فالمهارات اللغوية للأطفال تحت سن الثانية عشر تتأثر كثيراً بالبيئة اللغوية الجديدة، والبعض منهم يرفض تعلم اللغة الأم ، مما يساهم في النسيان التدريجي للغة الأم، وما يرتبط بها من هوية وانتماء للوطن الأم. هذا بالنسبة للأطفال الذين عاشوا سنين عمرهم الأولى في موطنهم الأصلي، أما الإشكالية الكبرى هي الأطفال الذين ولدوا في بلد المهجر والذين يواجهون  الكثير من التعقيد  عند التحدث باللغة الأم، وهنا يبرز دور الأهل في تسهيل وتبسيط هذا التعقيد من خلال التحدث مع الطفل باللغة الأصيلة.

الإحتلال: العديد من الدول الخاضعة للاحتلال تعاني من تهميش اللغة الأصيلة لشعوبها، على سبيل المثال لا الحصر، دولة الأحواز العربية المحتلة، حيث يمنع الاحتلال الايراني الشعب العربي الأحوازي من تعلم اللغة العربية، ويفرض اللغة الفارسية بغرض الغاء الهوية العربية للشعب الأحوازي. فالإستعمار يهدف ليس فقط لإحتلال الأرض بل لفرض هوية ثقافية جديدة مغايرة لهوية الشعوب المُستعمرة، من خلال فرض لغة المُستعمر وثقافته عليها. وخير الأمثلة على ذلك  الاستعمار الفرنسي والإنكليزي ولاحقاً الأميركي  خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.

– العولمة :  لقد فرض نظام العولمة الذي جعل من العالم قرية صغيرة تتربع التنكولوجيا على عرشها، اعتماد اللغة الانكليزية كلغة عالمية للتواصل بين البشر، ولقد سارت معظم الدول في اتجاه اعتماد اللغة الاجنبية الثانية كلغة أساسية بجانب اللغة الأم، وأحياناً تتجاوزها لتصبح اللغة الثانية في المقدمة. فعلى سبيل المثال، بعض الدول العربية تعتمد اللغة الأجنبية كلغة أساسية،  إلى حد أنه لا يمكن للمرء أن يبلغ تحصيله العلمي أو الحصول على عمل أو وظيفة إذا لا يتقن اللغة الأجنبية ( الأنكليزية بالدرجة الأولى وتليها الفرنسية) مثل لبنان ودول المغرب العربي. وهذا بدوره يُضعف ويقوض اللغة الأصيلة ويسهم في تلاشيها. 

لا بد من الاشارة إلى أن العديد من الدول الأوروبية تولي الاهتمام لتعدد اللغات والتنوع اللغوي، بيد أن التركيز على  منصباُ أكثر على اللغات الأوروبية، ويٌنظر إلى استخدام اللغات الأخرى (الأم) أنه عائق أمام الإندماج، ولكن من جانب آخر، هناك أدلة تثبت أهمية اللغة الأصلية في المجتمع، حيث يشير العديد من الباحثين إلا أن من يتقن اللغة الأم، يسهل عليه إتقان اللغة الجديدة .

ومن البلدان الأوروبية التي تقدم الدعم للغات الأم في المدارس هي  السويد، حيث ينظم القانون الحق في التعليم باللغة الأم ، والهدف من ذلك هو تقديم الدعم للأطفال لتطور لغتهم السويدية ولغتهم الأم من مرحلة ما قبل المدرسة فصاعداً. وتقول الوكالة السويدية للتعليم أنه”ليست جميع اللغات ذات قيمة متساوية في أوروبا”، فيجب أن يكون عدد الطلاب كبير من خلفية اجنبية لكي يتم تدريس اللغة الأم. ( في السويد، يكفي أن يكون خمسة طلاب في المدرسة يتكلمون نفس اللغة ليحق لهم بتعلم االغة الأم). هذا وتحتل اللغة الإنكليزية المرتبة الأعلى بين اللغات الأجنبية، تليها الفرنسية والإسبانية والإلمانية، ولا يٌنظر إلى اللغة العربية على أنها ضرورية أو ذات أهمية رغم الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يتكلمون العربية، وخاصة في العقود الثلاث الأخيرة.

نختم بالتأكيد على أن اللغة الأصيلة/الأم هي  العامل الأساسي الذي يشكل هوية الإنسان ويضفي على المجتمع طابعه الخاص، ووجود أي أمة مرتبط بوجود لغتها، فالأمم التي انقرضت لغاتها زالت من الوجود، ولا بقاء لأمة يتخلى أهلها عن لغتها. فاللغة تمثّل أساس وجود المجتمعات، وهي الوسيلة التي تتيح صون الثقافات والمعرفة التقليدية ونشرها على نحو مُستدام.

وهنا أبياتًا للشاعر الصقلّي ” إجنتزيا بوتينا”  تختزل أهمية اللغة بوصفها هوية وانتماء:
 ضع شعبًا في السلاسل
جَرَّدهم من ملابِسَهِم
سدّ أفواهَهُم.. لكنَّهم مازالوا أحرارًا
خُذ منهم أعمالَهم…وجوازات سَفَرهَم
والموائد التي يأكلون عليها
والأسّرَّة التي ينامون عليها
لكنَّهم مازالوا أغنياء
إن الشعب يفتقرُ ويُستعبَد
عندما يُسلب اللسان
الذي تركَه الأجدادُ وعندها يضيعُ إلى الأبد”.

1.https://ar.unesco.org/commemorations/motherlanguageday

2.https://www.un.org/ar/observances/mother-language-day

3.https://alkhaleejonline.net/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85-%D9%84%D9%84%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%86

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button