Site icon Arab Organization for Human Rights in Scandinavia

اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب

اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب

International Day in Support of Victims of Torture

نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية 

إن أقسى وأبشع ما يتعرض له الإنسان هو الإهانة وسلب الكرامة والألم النفسي والجسدي الذي  يتم  عبر ممارسة التعذيبالذي يُعرّف على أنه “تعمّد إالحاق ألم شديد أو معاناة شديدة، سواء بدنياً أو عقلياً”. هذه الظاهرة التي تُعتبر جريمة ضدّ الإنسانية،  موجودة منذ القدم أي منذ وجود الإنسان، وهي غير محصورة في مكان أو زمان معيّن أو في مجتمع دون آخر. 

يُصنف التعذيب على أنه جريمة بموجب القانون الدولي. وهو محظور تماماً وفق جميع الصكوك ذات الصلة، ولا يمكن تبريره في ظل أية ظروف. وهو حظر يشكل جزءاً من القانون العرفي الدولي، ويعني ذلك أنه يلزم كل عضو من أعضاء المجتمع الدولي، دون اعتبار لما إذا كانت الدولة قد صادقت على المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب صراحة أو لم تصادق عليها. ومع ذلك ما زالت العديد من دول العالم تمارسه دون أي رادع، حتى الدول التي تتمتع بالنظم الديمقراطية وتتبجح بحماية حقوق الإنسان، كالولايات المتحدة الأميركية  على سبيل المثال،  مثال حيّ على ممارسة التعذيب بأبشع صوره ( سجن أبو غريب، غوانتنامو…).

لهذا، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قرارها 149/52 المؤرخ 12 كانون الأول/ديسمبر 1998، يوم 26 حزيران/يونيو يوماً دولياً للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، بهدف القضاء التام على التعذيب وتحقيق لفعالية أداء اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة  (مرفق القرار 46/39) التي بدأ نفاذها في 26 حزيران/يونيو 1987.

ماذا يُقصد بالتعذيب وما الغاية  منه؟

التعذيب هو أي عمل ينتج عنه ألم وعذاب شديد، جسدياً كان أو نفسياً، يُلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من الشخص على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يُشتبه في أنه ارتكبه.  أما الهدف من التعذيب هو إذلال وإفناء شخصية الضحية وإنكار الكرامة الكامنة لدى الإنسان. 

  أساليب  وأدوات التعذيب 

الأساليب التي تُمارس في عمليات التعذيب متعددة ومختلفة، من الأذى الجسدي مثل الضرب  والجلد والصدمات الكهربائية، إلى الأذى النفسي مثل الحرمان من النوم أو الحبس الإنفرادي لفترات طويلة، او يمكن أن يكون جنسي مثل الإغتصاب …. 

أم أدوات التعذيب فهي لا تُعد ولا تُحصى وهناك تفنن في استخدام أدوات التعذيب،  من الهراوات الشائكة إلى سترات الصدمات الكهربائية ومكبلات الأصابع، وأصفاد الأقدام. وما تزال أدوات التعذيب يتم تداولها في جميع أنحاء العالم. كما تواصل الشركات بيع معدات عادية لإنفاذ القانون، مثل الأصفاد البسيطة والهراوات ورذاذ الفلفل لقوات الأمن التي تسيء استخدامها في عمليات التعذيب .

االمعايير والصكوك القانونية المعنية بمسألة التعذيب

في عام 1948، أدان المجتمع الدولي التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي عام 1975 ، اعتمدت الجمعية العامة ، رداً على النشاط القوي التي تقوم به المنظمات غير الحكومية ، الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

وخلال الثمانينات والتسعينات، حُقق تقدم في وضع المعايير والصكوك القانونية وفي إنفاذ حظر التعذيب. وأنشأت الجمعية العامة صندوق الأمم المتحدة للتبرعات لضحايا التعذيب في عام 1981 لتمويل المنظمات التي تقدم المساعدة لضحايا التعذيب وأسرهم.

واعتمدت الجمعية العامة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في عام 1984 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1987. وتتولى تنفيذها بين الدول الأطراف لجنة من الخبراء المستقلين، وهي لجنة مناهضة التعذيب.

و في عام 1985، عينت لجنة حقوق الإنسان أول مقرر خاص معني بالتعذيب، وهو خبير مستقل مكلف بالإبلاغ عن حالة التعذيب في العالم،. وخلال الفترة نفسها، اتخذت الجمعية العامة قرارات سلطت الضوء فيها على دور وموظفي الصحة في حماية السجناء والمحتجزين من التعذيب، ووضع مبادئ عامة لمعاملة الأشخاص المحتجزين. وفي كانون الأول / ديسمبر 1997، أعلنت الجمعية العامة يوم 26 حزيران / يونيه يوماً دولياً للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب.

اتفاقية مناهضة التعذيب

إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية ، إذ ترى أن الاعتراف بالحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف، لجميع أعضاء الأسرة البشرية هو،وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة،أساس الحرية والعدل والسلم في العالم، وإذ تدرك ان هذه الحقوق تستمد من الكرامة المتأصلة للإنسان، وإذ تضع في اعتبارها الواجب الذي يقع على عاتق الدول بمقتضى الميثاق، وبخاصة بموجب المادة 55 منه، بتعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية،ومراعاتها على مستوى العالم، ومراعاة منها المادة 5 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكلتاهما تنص على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، ومراعاة منها ايضا لاعلان حماية جميع الاشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ،الذي اعتمدته الجمعية العامة في 9 كانون الاول/ ديسمبر 1975،

 نماذج جرى فيه التعذيب بأبشع صوره.

  *سجن أبو غريب ، فضيحة العصر، تعذيب وإذلال وانتهاكات مروّعة 

سجن أبو غريب (العراق) سيء الذكر الذي شكلت حالات التعذيب المروّعة والوحشية  التي أرتكبت خلف جدرانه وأقبيته ، والصور التي هزّت العالم ، وصمة عار ستبقى مطبوعة بسجل الإدراة الإمركية لما ارتكبه جنودها بحق المعتقلين العراقيين الأبرياء،  والذي تجاوز كل المعايير الأخلاقية والإنسانية وخرق لكل المواثيق الدولية والقانونية . فعمليات التعذيب المروّعة التي ارتكبها جنود الاحتلال الأميركي والتي تنوعت بين الصعق بالكهرباء، والإعدامات بشكل وهمي، وحالات الإغتصاب، وتعليق السجناء بحبال وبشكل مهين وتعرية المعتقلين وإفلات الكلاب عليهم في ظاهرة لم يشهدها العالم من قبل. حتى الطفولة لم تُرحم، حيث تم اغتصاب طفل أمام أبيه حسب ما أورده أحد السجناء الناجين.  وهذا ما أكده  المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة ناجي حرج للجزيرة نت إن ما عرضته الصور من مشاهد تعذيب مروعة تمثلت بشتى صنوف الإيذاء الجسدي والنفسي، من الصعق بالكهرباء، إلى مهاجمة السجناء وهم مقيدون بواسطة الكلاب، وكذلك تكديس السجناء فوق بعضهم البعض وهم عراة، وإجبارهم على أوضاع جنسية مخلة، وغير ذلك من أساليب؛ تؤكد كلها تجرد سلطات الاحتلال من الالتزامات التي توجبها القوانين الدولية.

 إضافة إلى ذلك، لم ترحم السلطات التي نصبتها الولايات المتحدة الأميركية وإيران المواطن العراقي، حيث تابعت مليشيات إيران ممارسة الانتهاكات بشكل لا لايقل فظاعة عما أرتكبه جنود الاحتلال الأميركي. ويذكر  معتقل  بأنه رغم كل معاناة السجون الأميركية، فإنها أهون من سجون الحكومة والمليشيات، التي كانت معظم اعتقالاتها تتم على أساس طائفي، وتمارس بها أبشع أنواع التعذيب.

*معتقل غوانتنامو الذي أنشأته الولايات المتحدة الأميركة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، أصبح أيضاُ رمزاً للإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الت ارتكبتها الأميركية باسم مكافحة الإرهاب. من المعروف أيضاً أن وكالةالاستخبارات الأمريكية (سي آي آيه)، تدير مرافق احتجاز سرية أو “مواقع سوداء” في العديد من المواقع حول العالم، حسب ما ورد في تقرر لمنظمة العفو الدولية.

*في سوريا أيضا ضجّت سجنوها بفضائح التعذيب والقتل، فقد  أصدرت  منظمة العفو الدولي في عام 2016 بحثاً صادماً يوثق عمليات التعذيب في سجن صيدنايا في سوريا. فقد وثق تقرير المنظمة عمليات الإعدام الجماعية والتعذب المروّع داخل سجن صيدنايا العسكري. وقال العديد من السجناء حسب التقرير أنهم تعرضوا للإغتصاب أو أجبروا على اغتصاب سجناء آخرين، إضافة إلى الضرب والإذلال التي غالباً ما تؤدي إلى ضرر مدى الحياة أو العجز أو حتى الموت.

ولا يقل عن هذا عن الانتهاكات الفظيعة في سجون الإحتلال الإسرائيلي والإيراني وغيرها من السجون حيث  لا تتسع الصفحات لتعدادها. كما أن التعذيب لايقتصر فقط على السجون ومراكز الإعتقال، بل أيضا في مراكز اللجوء في العالم. ففي تقرير لمنظمة العفو الدولية، يبين أنه منذ عام 2015 تقوم الحكومة الاسترالية بنقل اللاجئين قسراً إلى معسكرات في مناطق نائية حيث يتعرضون لإعتداءات من قِبل السكان المحليين مثل الاعتداءات البدنية أو جنسية عنيفة، كما يُحرمون من الحصول على أدنى الحقوق، كالرعاية الصحية أو أي خدمات أخرى تُقدم للاجئين. ويرقى “نظام المعالجة الخراجة” في استراليا إلى مستوى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة بسبب الأضرار النفسية والبدنية الشديدة التي يتعرض لها اللاجئون والمهاجرون، حسب تقرير  منظمة العفو الدولية. وهذه الحالة تسري في العديد من الدول حيث يتعرض المهاجرون واللاجئون لأقسى معاملة. حالياً تعمل بريطانيا على إرسال اللاجئين إلى مخيمات في رواندا،  مما أثار اهتمام المنظمات الحقوقية، حيث حذرت هذه المنظمات من أن يتعرض اللاجئون الذين سيرسلون إلى رواندا لجريمة الإتجار بالبشر.

تعويض ضحايا التعذيب

إن الضحايا الذين يتعرضون للتعذيب القاسي، يعانون من  عواقب مدمرة لأمد الطويل، حيث يؤدي الألم البدني والنفسي الذي سببه التعذيب إلى إعاقات مزمنة، وإضطراب الصدمة والإكتئاب.  لذا ، وانصافاُ لهم يجب أن يتم تقديم مرتكبي التعذيب للعدالة. أما التعويضات التي يجب أن تُقدم للضحايا هي: الرعاية الصحية، تقديم المشورة، التعويض النقدي، إعادة التأهيل وإعادة الاندماج في المجتمع.

ختاماً، إن مسألة التعذيب ستبقى قائمة لطالما وجد الإنسان، ولطالما هناك قوى ودول لن تتوقف عن ارتكاب الإنتهاكات،  متجاوزة  كل القوانين والأعراف  الدولية والمعايير الأخلاقية دون رادع أو محاسبة ، لكن يبقى على المؤسسات والمنظمات الحقوقية من الوصول الى مرحلة يُعاقب فيها مرتكبي الانتهاكات عبر تقديمهم للعدالة.

 وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتريش” يقول: “يجب ألا يُسمح لمرتكبي التعذيب أبدًا بالإفلات من جرائمهم ، ويجب تفكيك الأنظمة التي تمكّن  التعذيب أو تغييره”. 

  1. https://www.un.org/ar/observances/torture-victims-day
  2. https://www.amnesty.org/ar/what-we-do/torture/
  3. https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2021/2/6/%D8%AA%D8%B9%D8%B0%D9%8A%D8%A8-%D9%88%D8%AD%D8%B4%D9%8A-تعذيب-وحشي-مارسته-القوات-الأميركية
Exit mobile version